للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال ثابت: لمَّا ضَيَّق علي بن بليق على القاهر اشتدَّ القاهرُ في الحيلة على مؤنس وأسبابه، وبلغَه فسادُ [نِيَّة طَريف السبكري وبشرى] لبليق وابنه (١)، ومنافستهما لهما على المراتب التي بلغاها، فكاتَبَهما في ذلك، وبعث إليهما بخاتمه على يد بعض ثقاته.

وعلم القاهر أنَّ أكثر اعتماد مؤنس وبليق على السَّاجِيَّة، وكان قد وَعدهم مؤنس إذا دخل بغداد أن يَجعلَهم برسْم الحُجَرية، ولم يَفِ لهم لئلَّا يصيروا غلمانًا للقاهر، فراسل القاهر السَّاجِيَّة ورَغَّبهم، [وحَرَّضَهم] على مؤنس وبليق وابنه، وضَمِن لهم أن ينقلَهم إلى رَسْم الحجرية.

وكان بين اختيار القَهْرَمانة وبين أبي جعفر محمَّد بن القاسم بن. عبيد الله معرفةً قديمة، فأشارت على القاهر بمكاتَبته، وأن يَعِدَه بوزارته ليُعاونَه على التَّدبير على مؤنس، فكانت اختيار تخرج في الليل وتجتمع بأبي جعفر، فتؤدِّي إليه الوسائلَ عن القاهر.

وبلغ ابنَ مُقْلَة أنَّ القاهر يُدبِّر عليه وعلى مؤنس وبليق وابنه، فحذَّرهم منه، واتَّفق معهم على خَلْعه وتقليد أبي أحمد بن المُكْتَفي الخلافةَ، فتحالفوا على ذلك، وقال مؤنس: قد أوحشتُم القاهرَ وأهنتُموه، فلا تَعْجَلوا عليه حتى تؤنسوه، ثم بعد ذلك تقبضون عليه.

فدبَّر ابن مُقْلَة تدبيرًا انعكس عليه، وأشاع بأنَّ القِرمطيَّ قد غَلب على الكوفة، وكتب إلى القاهر يُخبره ويقول: المَصلحةُ خروجُ علي بن بليق إلى قتاله، وأمر ابن بليق بإخراج مَضاربه إلى باب الكوفة، فأُخرِجت، ثم أرسل إلى القاهرِ يقول: ما بقي إلا أن يدخل علي بن بليق يقبِّل يد مولانا ويُودِّعه ويتوجَّه -وإذا دخل ابنُ بليق على القاهر قبَضَه- ففهم القاهر المقصود فسكت، فأردف ابنُ مقلة الورقة بأخرى، فاستراب القاهر، فراسل الحُجَرية وفرَّقهم في الدَّهاليز (٢).

وراح ابن بليق بعد العصر إلى دار القاهر في عدد يسيرٍ، فقام إليه السَّاجِيَّة وشَتموه، وعملوا على القبض عليه، فهرب إلى طَيَّاره، ثم عَبر إلى الجانب الغربي، واستتر من ليلته هو وكاتبُه الحسن بن هارون وأبو بكر [بن] قَرابة (٣).


(١) ما بين معكوفين من المنتظم ١٣/ ٣١٧، والكامل ٨/ ٢٥١.
(٢) انظر تفصيل الخبر في تكملة الطبري ٢٨٠، والكامل ٨/ ٢٥٢ - ٢٥٣.
(٣) ما بين معكوفين من تكملة الطبري.