للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الدَّهْناء (١)، واركبوا الصَّمَّان وهو الجَمَل الأَصْهب، وأراد بالحَيس: اختِلاط الناس؛ لأنَّه من التَّمْر والسَّمْن والأَقِط، أي: جاؤوكم بالخَلْق الكثير، فارتَحَلوا من ذلك المكان، فصَبَّحهم الجيش.

قال ابن دريد: وإنَّما أخذ هذا من قول أسير بني تميم، فإنَّه كتب إلى قومه (٢): [من البسيط]

حُلُّوا عن النَّاقة الحمراءِ أَرْحُلَكم … والبازِلَ الأَصْهَبَ المَعْقولَ فاصْطَنِعوا

إنَّ الذِّئابَ قد اخضَرَّت بَراثِنُها … والناسُ كلُّهمُ بَكْرٌ إذا شَبِعوا

يريد: أن الناس كلهم إذا أخْصَبوا عدوٌّ لكم.

قال المصنف رحمةُ الله عليه: وقد رُوي عن الأصمعي من غير طريق ابن دريد: أنَّ الأسير هو صاحبُ هذا الشعر وكان من بني تَميم، وأنَّه أنفذ هذه الرسالة إلى قومه مع عبدٍ بغير مَحْضَرٍ من الذين أسروه، وهو الأصحُّ؛ لأنَّ هذا الكلام لا يَخفى أنَّ فيه تحذيرًا لقومه، فكيف معروفه يمليه؟! (٣)

وقد تكلَّموا في ابن دريد من حيث الديانة لا من حيث الرواية، قال ابن شاهين: كنَّا إذا دخلنا على ابن دريد نَستحي ممَّا نرى من العيدان المُعَلَّقة والشراب المُرَوَّق، وقد جاوز تسعين سنة.

وقال الأزهري: دخلتُ يومًا على ابن دريد فرأيتُه سكران، فلم أعُد إليه. وقال الخطيب: جاءه سائلٌ فقال: ادفَعوا له دَنًّا من نَبيذ، فقيل: الناس يتصدَّقون بالدَّراهم والخُبز وأنت تتصدَّق بالنَّبيذ؟ فقال: ما عندي غيره.

وقيل: إنَّه كان يَشربُ المَطْبوخَ المثلَّث على رأي أهل العراق، وهو فصل مجتَهدٌ فيه (٤).


(١) موضع ببلاد بني تميم.
(٢) كذا في (خ)؟ وفي الملاحن ٥٧، وأمالي القالي ١/ ٧: وأخذ هذا المعنى رجل من بني تميم كان أسيرًا فكتب إلى قومه.
(٣) كذا في (خ)، ولم أتبينها.
(٤) انظر في مسألة شرب المطبوخ قبل الثلاث وبعده: المغني لابن قدامة ١٢/ ٥١٢.