للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلمَّا أراني الله هندًا وزُرْتُها … تَمنَّيتُ أنْ أزدادَ بُعدًا على بُعدِ (١)

ووُصِفَت له خُراسان فكان يتمنَّى أن يراها، فلمَّا رآها قال: [من الوافر]

تَمَنَّينا خُراسانَ زمانًا … فلم نُعْطَ المُنى والصَّبرَ عنها

فلمَّا أن حَلَلْناها زمانًا … رأيناها بحَذْف النِّصفِ منها (٢)

وروى ابنُ دريد، عن عبد الرحمن ابن أخي الأصمعي، عن عمِّه قال: كان أسيرٌ في بكر بن وائل فقال: ما في مُقامي عندكم فائدةٌ، فاندبوا لي رجلًا أُرسله إلى أهلي لعلهم يفادونني، فقالوا: لا يكون ذلك إلا بحَضْرتنا -وكانوا قد أزْمَعوا غَزْوَ قومه- فخافوا أن يُنذِرَهم، فجاؤوا بعبدٍ أسود، فقال له: أتعقِل؟ قال: نعم، فقال: ما هذا؟ وأشار إلى الليل، فقال: الليل، ثم ملأ كفَّيه من الرَّمْل وقال: كم هذا؟ قال: لا أدري وإنَّه لكثير، فقال: أيُّما أكثر، النُّجوم أو النيران؟ فقال: النجوم، أو كُلٌّ كثير، فقال: أبلغ قومي التَّحيةَ وقيل لهم: إنَّ العَرْفَجَ قد أَدْبَى، وشَكَّت النساء، ومُرْهم أنْ يُعْرُوا ناقتي الحمراء فقد أطالوا رُكوبها، وأن يَركبوا جَمَلي الأصْهَب بآية ما أكلتُ معهم حَيسًا، واسألوا الحارثَ عن خَبري.

فجاء العبدُ فأدَّى إليهم الرسالة، فقالوا: قد جُنَّ الأعور (٣)؛ ما نَعرف له ناقةً حمراء ولا جَمَلًا أصهب. وسَرَّحوا العبد.

فدَعَوا بالحارث، وقَصُّوا عليه القصة فقال: ويحَكم قد أنذَرَكم، أمَّا قوله: أتعقل؛ فإنَّما أراد أن يَختبرَه، وأما الليل فيقول: قد جاؤوكم مثل الليل والنُّجوم والرَّمْل والنِّيران، وأما قوله: قد أَدْبى العَرْفَجُ؛ يريد: أنَّ الرجال استَلْأموا الدُّروع (٤)، وشَكَّت النساء؛ أي: اتَّخَذوا الشِّكاء (٥) للسَّفَر، وناقتي الحمراء، أي: ارتَحِلوا عن


(١) لم أقف على هذا الخبر، والبيتان دون نسبة في المنتخل للميكالي ١/ ٥١٥.
(٢) الخبر في الأذكياء لابن الجوزي ١٩٢ لشاعر لم يذكر اسمه.
(٣) في (خ): الليل، ولعلها تحريف عن: الأسير، والمثبت من الملاحن لابن دريد ٥٦، وأمالي القالي ١/ ٦، والأعور هذا اسمه ناشب بن بَشامة العنبري كما في سمط اللآلي ١/ ٢١.
(٤) أي: لبسوها.
(٥) أوعية من جلد يوضع فيها الماء واللبن، وتجعل زوادة للمسافر.