للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومات عُبيد بعدما قتل خلقًا كثيرًا، واستصفى أموالهم، وقتل العلماء والفقهاء وأصحاب الحديث، وأخرب القِلاع، وسلَّط الجُهَّال على العلماء يَذبحونهم على فُرُشهم، وكانت له شيعةٌ بخراسان وبغداد والشام ومصر يقولون: إنه المَهدي ظهر بالمغرب، وكان الخليفة إذ ذاك جعفرًا المقتدر، وذلك في سنة ثلاث مئة، وبعث ابنَه المسمَّى عبد الرحمن إلى مصر دَفعتَين، فعاد بالخيبة في إحداهما في سنة اثنتين وثلاث مئة، والثانية في سنة سبع وثلاث مئة.

ثم بثَّ سعيدٌ دعاتَه في الأرض، فطائفةٌ تزعم أنَّه الخالق الرَّازق، وطائفة تزعم أنَّه رسول الله ﷺ، وطائفة تقول: إنَّه المهدي ابن رسول الله ﷺ، فأقام نَيِّفًا وعشرين سنة، ثم ظهرت قبائحُه ومِحاله.

وقال القاضي أبو بكر محمد بن الطَّيِّب البَصري المتكلِّم (١): القدَّاح جدُّ عُبيد الله كان مجوسيًّا، ودخل عبيد الله المغرب، وادَّعى أنَّه عَلويٌّ من ولد فاطمة ﵍، ولم يعرفه أحدٌ من علماء النَّسَب، وكان باطنيًّا خَبيثًا يُظهِر خلاف ما يُبطِن، حَريصًا على إزالة ملَّة الإسلام، أعدم الأعيان والعلماء والفقهاء ليبقى العالم مثل البهائم فيتمكَّن من إضلالهم، وجاء أولادُه على أسلوبه حدود الملوك (٢)، أباحوا الخمورَ والفروجَ، وأشاعوا الرَّفْضَ، وبثُّوا الدُّعاةَ في الأرض، فأفسدوا عقائدَ أهل الجبال التي في الشام كالنُّصَيريَّة والدُّرزيَّة وغيرهم، وتمكَّن دُعاتُهم من أهل الجبال لضعف عقولهم، والقَدَّاح الذين يَنتمون إليه دَعيٌّ كَذَّابٌ مُمَخْرِق، وهو أصل دعاة القرامطة.

وقال أيضًا في كتاب "كشف أسرار الباطنية": وأولُ مَن وضع هذه الدعوة طائفةٌ من المَجوس وأبناء الأكاسرة من الفُرْس، والباعِثُ لهم على ذلك زَوالُ مُلْكهم، وعُلوُّ الإسلام عليه، وإلزامُهم الجِزْية، فخافوا من تَطاوُل العهد، ويئسوا من عَوْد مُلْكهم إليهم، فاتَّفقوا على وَضْع دعوةٍ يُدخِلون الشُّبهة بها على العوامِّ، فأولُ مَن وضعها الهُرمزان، فسلَّط أبا لؤلؤة على عمرَ بن الخطاب رضوان الله عليه فقتله، ثم الإفشين في أيام المُعْتَصم، فكان من أمره ما كان، ثم اتَّفقوا على عبد الله بن ميمون بن عمرو


(١) هو ابن الباقلاني، وقد نقل كلامه وكلام القاضي عبد الجبار: الذهبي في تاريخ الإسلام ٧/ ٤١١ - ٤١٢.
(٢) كذا وردت هذه الجملة في (خ) ولعلها مقحمة، أو لعل في النص سقطًا.