للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي ليلة الأربعاء المذكورة بعينها انْقَضَّت النُّجوم من أول الليل إلى أن أسْفَر الصُّبح انقضاضًا مُسْرِفًا جدًّا لم يُعْهَد مثلُه ولا ما يقاربه.

وفي ليلة الجمعة لثلاث عشرة خلت من ذي الحجة مات أبو بكر محمد بن ياقوت في الحَبْس في دار الخليفة، وأُحضِر القاضيان أبو الحسين وأبو الحسن محمد بن صالح والشُهود، وأُخرج محمد بن ياقوت، ففَتَّشوه فلم يَرَوْا به أَثَرًا، فعلموا أنَّه مات حتْفَ أنفِه، ثم سُلِّم إلى أهله فكفَّنوه ودفنوه، وباع الوزيرُ ابن مُقْلَةَ أملاكَه وضِياعَه.

وفيها غَلا السِّعرُ ببغداد، فبيع الكُرُّ [من الحِنْطَة] بمئة وعشرين دينارًا (١)، والشعيرُ بتسعين دينارًا، وأقام الناس أيامًا لا يَجدون القمح، فأكلوا خُبزَ الذُّرَة والدُّخْن والعَدَس.

وفيها قدم غلمان مَرْداويج الدَّيلَمي إلى بغداد وفيهم بَجْكَم، فاضطربت الحُجَريّة لذلك، وظنُّوا أنَّها حِيلةٌ عليهم، فاجتمعوا إلى الوزير، وسألوه أن يُرضِيَهم وَيرُدَّهم، فاستدعى جماعةً منهم، وعرض عليهم أن يَنضَمُّوا إلى محمد بن علي غُلام الرَّاشدي، ويُقلِّدَه الجَبَل، ويُطلَق لهم مالٌ مقدارُه أربعة عشر ألف دينار برَسْم نفقاتهم، فعرَّفوا أصحابَهم فلم يَقْنَعوا.

وكان خبرُهم قد اتَّصل بأبي بكر محمد بن رائق وهو بواسط يتقلَّد أعمال المعاون والبصرة (٢)، فكاتَبَهم، ووَعدهم الإحسان، فمضَوا إليه، فقَبِلَهم وأحسنَ إليهم، وزاد في أرزاقهم، ورأَس عليهم بَجْكَم التُّركيّ، ورفع منه، ومَوَّلَه، وأحسن إليه وأفرط في ذلك، وأمرهم بأن يكاتبوا كلَّ مَن في الجَبَل من الأتراك والدَّيلَم وغيرَهم بأن يَصيروا إليه، ففعلوا، فصار عنده منهم عدَّةٌ وافِرة، فأثْبَتَهم، وضمَّهم إلى بَجْكَم.

وفيها كتب محمد بن رائق إلى الرَّاضي أن يُضمِّنَه أعمال الخَراج بواسِط والبصرة، وكان أبو يوسف البَريدي قد ضَمِنَها من ابن مُقْلَة، وكان ابن رائق على المعاون، وكان


(١) ما بين معكوفين من تكملة الطبري ٢٩٦، وانظر المنتظم ١٣/ ٣٥٢، وتاريخ الإسلام ٧/ ٤١٨، والكر: مكيال لأهل العراق.
(٢) في تكملة الطبري ٢٩٦: وهو يتقلد أعمال المعاون بواسط والبصرة، وانظر الكامل ٨/ ٣٠٣، وتاريخ الإسلام ٧/ ٤١٨.