للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والحمد لله، نسير إليهم بالليل فنَكْبِسُهم والقوم غارُّون (١)، ثم نَسير إلى الأهواز وقد شَرَدْناهم فيهرب البريدي، فقال له مؤنس: أرجو أن يكون هذا صوابًا.

وسار ياقوت في الليل، فأصبح وقت طلوع الشمس بعَسْكَر مُكْرَم، فلم ير فيه أحدًا، فنزل بنهر جارود عند ناعورة السَّيل، وخيَّم، وتعجَّب من مرور جاسوسه، فلمَّا كان وقت العصر جاء عسكر البريدي مع أبي جعفر الحَمَّال، فنزل قريبًا من ياقوت بمقدار فرسخ، وأصبحوا يَتَناوشون.

وتَرَبَّص الحَمَّال ليَصل إليه باقي العسكر، فلمَّا كان اليوم الثالث اقتتلوا إلى الظُّهر، وثبت ياقوت ومَن معه، وظهر ياقوت، وبلغت القلوبُ الحَناجر، وإذا قد ظهر للبريدي كَمينٌ في ثلاثة آلاف حامين (٢)، فأومأ إلى مؤس، فالتقاهم في ثلاث مئة رجل، وبقي مع ياقوت خمسُ مئة رجل، واقتتلوا، فظهر عليه الحَمَّال وانهزم ياقوت ومؤنس، ورمى ياقوت نفسَه عن دابَّته، ونَزع سلاحَه، وأوى إلى رِباطٍ يُعرف برباط الحسين بن زياد، وجاءه الليل، فجلس إلى ظلِّ الرِّباط، وغطَّى وجهه كأنَّه سائلٌ يسأل، وجاء إليه قومٌ من البَرابِرة، فنزلوا وكشفوا وجهه، فقال: أنا ياقوت احملوني إلى البريدي، فقتلوه، وأخذوا رأسه، وحملوه إلى الحَمَّال، فأطلق طائرًا إلى البريدي يُخبره، فكتب إليه: اجمَع بين رأسه وبدنه وادفنه، ففعل.

وأُسر مؤنس وخواصُّ أصحاب ياقوت، فشَغَبت الياقوتية وقالوا: قد قُتل مَولاهم فلم يقتلون؟ فقال البريدي: أنا أكتب إلى الحضرة فأُطلِقُهم، ثم قتلهم في الليل.

ولم يوجد لياقوت سوى اثني عشر ألف دينار لا غير، ووُجِدَت في صناديقه كتُبُ الحُجَريّة إليه بالإصعاد إلى بغداد ليولُّوه الرئاسة عليهم. وبعث البريدي بالمُظَفَّر بن ياقوت إلى بغداد، ثم طغى البريدي بعد ذلك، وشَهَرَ نفسه بالعِصيان لما نذكر إن شاء الله تعالى.

وفيها استَوزر الرَّاضي أبا القاسم سليمان بن الحسن، وسببه: أنَّ ابن رائق قطع الحِمْل من واسط والبصرة، والبَريدي من الأهواز، وعلي بن بُوَيه بفارس قد تغلَّب عليها.


(١) غافلون.
(٢) كذا؟! وفي الكامل ٨/ ٣٢٠: ظهر الكمين من وراء عسكر ياقوت.