للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وضاقت الدنيا على الوزير أبي جعفر الكَرْخيّ، وكان غيرَ ناهِضٍ بالوزارة، وفيه إبطاءٌ شديد [في الكتابة والقراءة] (١)، وكثُرت المُطالبات عليه، وانقطعت المَوادُّ عنه، فاستتر يوم الإثنين لثمانٍ خَلَون من شوال؛ بعد ثلاثة أيام ونصف من تقلُّده الوزارة (٢)، فاستُحضر سليمان يوم الأربعاء لعشرٍ خلون من شوال، وقلَّده الراضي وزارته، وخلَع عليه، فكان في التحيُّر وانقطاع الأموال والمَوادّ عنه مثلَ الكَرْخيّ وزيادة.

فدعت الضَّرورة إلى أن كاتب الراضي محمد بنَ رائق وهو بواسِط، وذكر ما كان ضَمِنه من النَّفقات، وإزاحَة عِلَل الجيش، وبعث إليه كاجو بألف دينار.

وعاد كاجو إلى الراضي بالجواب، فبعث إليه بالخِلَع واللواء، وانحدر إليه أعيانُ السَّاجية، فقيَّدهم، وألقاهم في المَطامير وجماعةً من الكُتَّاب، فاستوحش الحُجَرِيَّة ببغداد، وأحْدَقوا بدار السُّلطان، وضربوا خِيمَهم حولها.

ووصل ابن رائق في جيشه إلى بغداد يوم الأحد لخمس بقين من ذي الحجة، ودخل على الراضي ومعه بَجْكَم والقُوَّاد ورؤساء القرامطة، وخرج فنزل بباب الشَّمَّاسيَّة في مِضْرَب، وبعث له الراضي الخِلَع والإقامة.

وأمر ابن رائق الحُجَريّة بقَلْع خيامهم من حول دار السلطان فلم يفعلوا، وبَطَل حينئذٍ أمرُ الوزارة والدَّواوين، وبقي الاسم لا غير، وتولّى الجميع محمد بنُ رائق وكتَّابُه، وصارت الأموال تُحمل إليه، وبَطل أمرُ بيوت المال وحَمْلها إلى السلطان.

وفيها (٣) وقع الوَباء بأَصْبهان، فمات بها (٤) أكثر من مئتي ألف، وامتدَّ إلى بغداد، فبطل الغُسْل والتكفين، فكانوا يَحْفِرون الحُفْرة، فيُلقون فيها جماعةٌ من غير غسلٍ ولا تكفين، وبقي الناس مَوتى على الطُّرق ليس لهم مَن يَدفِنهم، وغَلت الأسعار، واضطربت الأمور ببغداد بحُكم ابن رائق عليها، وبقي الراضي مثلَ الأسير معه، ولم يحجَّ أحدٌ في هذه السنة.


(١) ما بين معكوفين من تكملة الطبري ٣٠٣، وانظر الكامل ٨/ ٣٢٢، وتاريخ الإسلام ٧/ ٤٢١.
(٢) وكذا في تكملة الطبري، وفي الكامل: بعد ثلاثة أشهر ونصف من وزارته.
(٣) من قوله: واستتر ابن الوزير وأصحابه وأسبابه … إلى هنا ليس في (ف م ١).
(٤) في (خ ف): منها.