للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن العجائب أنَّه تقلَّد الوزارة ثلاث دَفْعات لثلاثة من الخلفاء، وسافر في عمُره ثلاث سَفَرات، منهنَّ اثنتان في النَّفي إلى شِيراز، وواحدة إلى المَوصل في قتال ابن حمدان وهو وزير، ودُفن بعد موته ثلاث دفَعَات في ثلاثة مواضع، وخُصَّ به من خدمه ثلاثة: شكر، ووردي، وشمائل [وهذا قول ثابت بن سنان في ترجمة ابن مُقْلَة].

وذكره الشيخ جمال الدين ابن الجوزي ﵀ في "المنتظم" وقال: إنَّ رُقْعَةً جاءت من ابن مُقْلَة إلى الراضي يَضْمَن فيها ابنَ رائق وابنَي مقاتل بألفي ألف دينار، وأنَّه يقبض عليهم بحيلةٍ لَطيفة، فقال الراضي: صِرْ إليَّ حتَّى تُعَرِّفَني وَجْهَ هذا، فجاء إليه، وعلم ابنُ رائق، فجاء في جيشه إلى دار الراضي وقال: لا أبرح إلا بتسليم ابنِ مُقْلَة، فأُخرج، فأمر بقَطْع يده اليمنى وقال: هذا سعى في الأرض بالفساد (١).

قلت: ومات ابنُ مقلة في سنة ثمان وعشرين وثلاث مئة، وسنذكره هناك إن شاء الله تعالى (٢).

وورد الخبر بمسير بَجكَم من واسِط يُريد الحَضْرة، وكان قد أزال اسمَ ابن رائق من أعلامه وتِراسِه، وكان مسيرُه من واسِط يوم الخميس غُرَّة ذي القعدة، وبعث ابن رائق إلى دَيالى، فبَثَق إليه بَثْقًا من النَهروان، وقطع الجِسرَ ليصير خَنْدقًا بينه وبين بجكم، وطالب ابنُ رائق الراضي بأن يكتبَ إلى بجكم يأمرُه بالرجوع إلى واسِط، فكتب إليه كتابًا فلم يَلْتفت، ويمَّم قَصْدَه، ووصل إلى دَيالى، وبه عسكرُ ابن رائق، فانهزم إلى عُكبَرا.

واستتر ابن رائق ببغداد، ودخل بجكم يوم الاثنين لاثنتي عشرة خلَت من ذي القعدة على الراضي، فأكرمه، ورَفع منه، وخَلَع عليه، وعاد بالخِلَع إلى عسكره بدَيالى، واستتر أبو بكر بن مُقاتل كاتب ابن رائق.

ثم خلع الراضي على بجكم في اليوم الثاني والثالث، وأنزله دار مؤنس بسوق الثلاثاء، وانقضت أيام محمد بن رائق، وكانت مدَّتها سنةً واحدة وعشرة أشهر وستة عشر يومًا، ولقَّب الراضي بجكم بأمير الأمراء، وخلع عليه خِلَع المُنادَمة (٣).


(١) المنتظم ١٣/ ٣٧٣. وانظر تكملة الطبري ٣١٤، والكامل ٨/ ٣٤٥ - ٣٤٦، وتاريخ الإسلام ٧/ ٤٢٦.
(٢) في (خ): ومات سنة ثمان وعشرين، وسنذكره إن شاء الله تعالى. والمثبت من (ف م ١).
(٣) هذا الخبر بطوله ليس في (ف م ١).