ثالثًا: لم يقتصر أبو المظفَّر على النَّقل فحسب، ولكنه كان يدلي بآرائِه ووجهةِ نظره، وتَجلّى ذلك من خلالِ تَنقيداتٍ لطيفةٍ انتقدَ بها سابِقيه، أو تعليقاتٍ طريفةٍ علَّق بها على بعض الأخبار، أو إضافاتٍ سديدةٍ كان يضيفها إذا ما رأى حاجةً تدعو إلى ذلك، فعلى سبيل المثال؛ عندما ذكرَ قصة سُليمان ﵇(٢/ ٢٢٢) ووردَ فيها أن بلقيس أرسلت إليه بخمس مئة غلام، وخمس مئةٍ جارية، وألبست الغلمان ثيابَ الجواري، والجواري ثيابَ الغِلمان لكي تختبره، مَيَّزَ سليمان ﵇ بينهم من طريقتهم في الوضوء، فعلَّقَ أبو المظفَّر قائلًا:"والعجبُ من حكاية مثلِ هذا، وقد اتفقوا أن القوم كانوا يعبدونَ الشمس، وأخبرهم اللهُ على لسان الهُدهدِ بذلك، فمن أينَ كانوا يعرفونَ الوضوء؟ وإنما ميَّز بينهم بالوحي جبريل".
وكذلك في ترجمة إبراهيم بن عبد الله بن حسن (١٢/ ١٤٢) ذُكرَ أنه خرَجَ هو وأخوه محمد على أبي جعفرٍ المنصور، فطلبهما أشدَّ الطلب، ثم أُتِيَ بمرآةٍ كانت لآدم ﵇ ينظر فيها فيرى عدوَّه، فنظر فيها أبو جعفر فعرف مكانهما، فأرسل في طلبهما، عندها قال أبو المظفَّر:"وليس العجبُ من الطبري، فإن من عادته أن يأتي بالعجائب والغرائب، وإنما العجبُ من جَدّي أن يحكيَ مثلَ هذا في المنتظم، وهذا شيءٌ تأباه العقولُ السليمةُ والأذهانُ الصحيحةُ.
وفي ترجمةِ المهتدي بالله (١٥/ ٣٤٥) أورد قولَ الخطيب والصولي فيه أنه كان كثيرَ العبادةِ والورع، ثم علَّق قائلًا: "مِن أينَ وصفُ الخطيب والصوليِّ وغيرِهما له بالورع، وقد واطأَ على قتل ابن عمه المعتزِّ من غير سببٍ إلا حبُّ الدنيا، وقد كان قادرًا على منع الأتراكِ من قَتله، وهل يَفي دمُ مسلمٍ بعبادة الثَّقَلين؟ ".
وفي ترجمةِ أبي داود السِّجستاني صاحب "السُّنَن" ١٦/ ١٢٤) ذكر أنه ضَمَّنَ كتابه "السُّنَن" أربعةَ آلاف وثمان مئة حديث، ويكفي الإنسانَ لدينه من ذلك أربعةُ أحاديث؛ أحدها: قوله ﷺ: "الأعمالُ بالنِّيات"، والثاني: قوله ﷺ: "مِن حُسنِ إسلامِ المرءِ