تركه ما لا يَعنيه"، والثالث: قوله ﷺ: "لا يكون المؤمن مؤمنًا حتى يرضى لأخيه ما يرضى لنفسه"، والرابع: قوله ﷺ: "الحلالُ بَيِّن، والحرام بيِّن، وبينهما أمور متشابهات" فأضاف أبو المظفر قائلًا: ولو أخرج الخامسَ كان أبلغ، وهو قولُه ﵊: "المسلمُ مَن سَلِمَ المسلمونَ من لسانه ويده".
وابعًا: استطرد المصنفُ استطراداتٍ كثيرة، أَضْفَتْ غالبيتُها العظمى على الكتابِ رونقًا وبَهاءً، وأخرجته من عباءَتهِ التاريخية، وألبَستْهُ حُلَّة أدبيةً رائعةَ الجمال، والمصنف باستطراداته هذه خالف شرطَه الذي ذكره في مقدمته حينما قال: "ولو مَددتُ فيه أطنابَ الإطناب، وأسبابَ الإسهاب، لانقطعَ سَيرُ السُّرَى وكَلَّ كلُّ الرِّكاب، وخيرُ الكلام ما قلَّ ودَلَّ، ولم يطل فيُمَلّ".
غيرَ أنَّ النَّزْرَ اليَسيرَ من هذه الاستطرادات لم يكن في محله، فمثلًا حينما ذَكرَ حِكَمَ أرسطاطاليس (٢/ ٣٩٧) سَردَ مُعظَمها، وذكرَ أخذَ المتنبي لها وصياغَتها في شعره واحدةً واحدة، وكذلك في ترجمة الخرائطي (١٧/ ١٥٢) قال: "روينا كتابه (اعتلال القلوب) وفي آخره لأبي بكر الصنوبري … " وذكر له بيتين من الشعر، ثم نبذةً عنه، وأتبعها بأشعارٍ كثيرةٍ، وفي ترجمة الحاكم النَّيسابوري المحدِّث (١٨/ ٢٣٦) ذكر مصنَّفاته ومنها كتاب (المدخل)، ونقل منه أقسامَ الحديث الصحيح، وأقسام الحديث المختلف في صحتها بالتفصيل، حتى ليُخيَّل للقارئ أنه يقرأ كتابًا في مصطلح الحديث، لا كتابًا في التاريخ والتراجم.
خامسًا: إن كثرةَ النُّقول التي أوردها أبو المظفَّر في كتابه هذا، واتساعَها وتَنوعَها يَدلُّ أولًا على سَعَةِ اطّلاعه وتبَحُّرِهِ وتَفنُّنهِ في كثير من العلوم، ويَدلُّ ثانيًا على ضَخامةِ المكتبةِ التي استند إليها في تصنيفه، وتنوُّعِ أبوابها، واشتمالها على فنونٍ كثيرةٍ من العلم، كالتفسيرِ، والحديثِ، والفقهِ، والسيرةِ، والتاريخِ، والجغرافيا، والفلكِ، والطِّبِّ، والأدبِ، واللُّغةِ، والشِّعر، ولا أدلَّ على كثرة مصادره من بعض أخبارٍ