للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان عثمان كاتب الكوفي مائلًا إلى المُتَّقي، فما زال حتى اتَّفقوا عليه، وأَحدَروه من داره -وكانت بأعلى الحَريم الطَّاهري- إلى دار الخلافة، وذلك في يوم الأربعاء لعشرٍ بقين من ربيع الأول، فبايعوه وهو ابن أربع وثلاثين سنة.

وكان حَسَن الوجه، مُعتَدلَ الخَلْق، مُشْرَبًا حُمرةً، أشهلَ العينين، كثَّ اللحية.

ولمَا صَعِد إلى رِواق التَّاج صلَّى ركعتين على الأرض، ثم جلس على السرير، وبايَعَه الناس.

ولم يُغيِّر شيئًا قط، ولم يَتَسَرَّ على جاريته التي كانت له، وكان كثير الصوم والتعبد، ولم يَشرَب النَّبيذ قط، وكان يقولُ: المُصحف نَديمي وجَليسي ما أريد جَليسًا غيره، فغضب جلساؤه من ذلك.

وقال ثابت بن سِنان: كان الراضي قد أَحْدَرَ قبل موته أبا عبد الله الكوفي إلى بجكم يسأله أنْ يُولِّيَ العهدَ ابنَه أيا الفضل، وبقي الأمر موقفًا إلى أنْ يَقدم الكوفي من واسِط، وعاد إلى بغداد ليَحْفَظَ دار الخلافة، وينتظرَ جوابَ كتاب بجكم.

فلمَّا كان يوم الثلاثاء لإحدى عشرة ليلة بقيت من ربيع الأول وَرَد كتابُ بجكم على الكوفي يأمره بأن يجمع [أبا القاسم] (١) الوزير، وكل مَن تقلَّد الوزارةَ، وأصحاب الدواوين، والقضاةَ والعدولَ، والفقهاء، والعباسيين والعلويين، ووجوة البلد، ويُشاورَهم فيمَن يُنصِّب ممَّن يُرتضَى مَذْهبُه، وتُحمَد طريقتُه، وتجمع فيه أوصاف الدّين والخير، فيَعقِدَ له الأمر.

فجمعهم الكوفيُّ، وكان يكره المتَّقي لأجل كاتبه أبي الحسين بن مَيْمون، فميَّله عثمان كاتب الكوفي إلى المتقي، وضمن له أنْ يُحسن إليه، ولا يَسعى له في مَكروه، فأجاب، وقال الكوفي للجماعة: ما تقولون في إبراهيم بن المُقْتدر؟! فأثنَوا عليه وبايعوه، وبعث المتقي إلى بجكم بالخِلَع، وأقرَّ أبا القاسم سليمان بن الحسن على الوزارة؛ وإنما كان له منها الاسم والتَّدبيرُ للكوفي، واستحجَبَ المتقي سَلامةَ الطُّولوني، وولَّى علي بن عيسى المَظالم (٢).


(١) ما بين حاصرتين من الكامل ٨/ ٣٧١.
(٢) من أول السنة إلى هنا ليس في (م ف م ١)، وما سيرد بين معكوفات منها.