وفي ربيع الآخر وصلَت الرومُ إلى بلد حَلَب إلى [مكان يقال له:] حموص، وهو على ستِّ فراسخ من حلب، فأخربوا وأحرقوا وقتلوا [من كان بها] وسَبَوا، فبلغ السَّبْي عشرة آلاف إنسان، واستوزر المتَّقي أبا عبد الله البريدي وسببه:
لمَّا سار الأتراك إليه وقوي جانبه احتاج ابن رائق إلى مُداراته، فكاتبه بالوزارة في نصف ربيع الآخر، وبعث إليه بالخِلَع السُّلْطانية، فاستخلف له بالحَضْرة أبا جعفر محمد بن يحيى بن شيرزاد، وأوصله ابن رائق إلى المتقي، وكان المدبِّر للمملكة أبو عبد الله الكوفي.
وفيها توفي المَحامِلي، وتقلَّد القضاء أبو الحسن أحمد بن عبد الله بن إسحاق الخِرَقي في جانبي مدينة السلام ومدينة أبي جعفر والسَّواد، مُضافًا إلى أعماله الأولى، وتَعجَّب الناسُ من تقليد مثله.
وفيها استوزر المتَّقي أبا إسحاق القَراريطي مرةً ثانية، وسببه أنَّ الأخبار وَرَدت بإصعاد البريدي إلى بغداد، فعزَّ على المتقي وابن رائق، فعزله عن الوزارة، فكانت مدةُ وقوع اسم الوزارة عليه خمسةً وعشرين يومًا، وخُلِع على القراريطي لعشرٍ خلَون من جُمادى الأولى، واستتر ابن شيرزاد في منزله (١).
[وفيها] في يوم الثلاثاء لإحدى عشرة خلَت من جُمادى الأولى ركب المتقي على الظَّهر، ومعه ابنه الأمير أبو منصور ومحمد بن رائق [والوزير] القراريطي والجيش، وساروا على الظَّهر وبين أيديهم المصاحفُ المُنَشَّرة والقُرَّاء، واستنفروا العامة لقتال البريديين، ثم انحدر من الشَّمَّاسِيّة إلى داره في دجلة، واجتمع الناسُ من كل مكان على كُرسيّ الجِسر، فثَقُل بهم وانكسر، فغرِق خلقٌ كثير ممَّن كان عليه وتحته، وأمر ابن رائق بلَعْن البريديين على المَنابر.
وفيها أصعد أبو الحسين علي بن محمد البريدي إلى بغداد، وحارب المتقي وابن رائق فهزَمَهما، وكان خروجه من واسط يوم الأربعاء لأربعٍ بقين من جُمادى الأولى في الجيش، ومعه غلمان أخيه أبي عبد الله والأتراكُ والدَّيلَم والقرامطة إلى ابن رائق، واستعد ابن رائق للقتال، وعمل على أن يتحصن في دار السلطان، وسدَّ أكثرَ أبوابها
(١) من قوله: واستوزر المتقي أبا عبد الله البريدي … إلى هنا ليس في (م ف م ١).