للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[قال: فصعد الجبل،] فغاب خمسين ليلةً، ثم عاد وهو كالخِلال (١) اليابس، فقلنا له: كيف حالُك؟ فقال: ما فيَّ جارحةٌ إلا وهي تشتهي (٢) المَزيد، ولا دَفَعني إلى فاقَةِ قطُّ.

فقمنا إلى أُمِّه، فسألتْه عن حاله، فأخبرها كما أخبرنا، فاعتَنَقَتْه وبكَت وقالت: اللهم إنَّه وَديعتي عندك، فقد صَلُح لك ووَهبْتُه لك.

فخرج من عندها فغاب سنتين، فلقيتُه بعد ذلك بمدَّة فذكَّرُته بالحكاية (٣)، فبكى بكاءً شديدًا، وجعل يَنوحُ على نفسه بالفارسية ويقول: واخَرابَ قلباه، ويُردِّدها ويبكي.

وكان (٤) يقيمُ أربعين يومًا لا يأكل ولا يشرب ولا يتوضأ، ويُقيمُ أربعة أشهر كذلك، ويَصعد إلى جبل الدِّينَوَر فيقيم فيه، وفيه السباع والوحوش [مُنْهمِكَة]، لا يتجاسر شيءٌ منها أن يدنو منه، ثم ينزل بعد أربعين يومًا إلى الدِّينَوَر، فتُغلَقُ الأسواق، ويقوم الناس ينظرون إليه من بعيد تعظيمًا له.

[وقال مَمشاذ الدِّينَوري:] كان يَضربُ بيده الأرضَ في أسفاره فيَنْبُع الماء، فيتوضَّأ ويَشرب، وكان يَقِدُ على رأسه قِنْديل من السماء طول الليل.

وقال قاسم بن عمرو المَعافِري (٥): كنتُ ألزم مسجدَ الدِّينَوَري كلَّ جمعة، فخرجتُ في يوم جمعة، فرأيتُ الناس يَزدَحِمون على الخُبز، فقلتُ: أشتري رغيفًا أعِدُّه لإفطاري وكنتُ صائمًا، فاشتريتُه، وخبَّأتُه في مكان، ثم قصدتُ الجامع فجلستُ عند أبي الحسن، فلما تكلَّم سألتُه عن التوكل فقال: أن لا تهتمَّ لإفطارك قبل صلاة الجمعة.


(١) كالعود.
(٢) في (خ): تقتضي.
(٣) في (م): بالحديث.
(٤) في (م ف م ١): وحكى في المناقب أنه كان، والمثبت من (خ)، والأخبار التي ينقلها عن السلمي والمناقب لم أجدها فيهما.
(٥) في (م ف م ١): وحكى في المناقب عن قاسم بن عمرو المعافري قال، والمثبت من (خ).