للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان أبو الحسن علي بن عثمان القَرافي يقول: لا ينبغي أن يتكلَّمَ على الناس إلا مَن يكون حالُه مثل حال أبي الحسن الدِّينَوري؛ كانت بَواطِنُ الخَلْق مُنْكَشفة بين يديه.

ولقد خطَر لي خاطرٌ يومًا فالتفت إليَّ وقال: حَرامٌ على قلبٍ مأسورٍ بحُبِّ الدنيا أن يَسيح في عالم الغيب (١).

[ذكر قصته مع تِكِين والي مصر:]

كان الدينوري (٢) أنكر على تِكِين والي مصر أشياء [وكان ظالمًا]، فسيَّره إلى القُدس.

قال محمد بن الليث: فحدَّثني جماعةٌ من الشيوخ الذين كانوا بالقدس قالوا: لمَّا وصل الدينوري إلى القدس خرجنا نتلقَّاه، فلمَّا وصل إلى باب سليمان قال: كأنِّي بالبائس -يعني تِكين- وقد جيء به في تابوت إلى ها هنا، فإذا دنا من الباب عَثَر البغلُ، ووقع التابوت فبال عليه البغلُ.

قال: وأقام الدِّينَوري بالقُدس مدةً يسيرة، وإذا بقائل يقول: قد وصل تِكِين وهو ميتٌ في تابوت، فلمَّا وصل إلى باب سليمان عَثَر البغل في المكان الذي أشار إليه الدِّينَوري، فوقع التابوت، وغَفَل عنه المُكاري فبال عليه البَغْل، وخرج الدِّينَوري فقال للتابوت: جئتَ بالبائس إلى المكان الذي نفانا إليه، ثم ركب الدينوري ذلك البغلَ وعاد عليه إلى مصر.

[قال محمد بن الليث: فحدثني المُكاري الذي حمل الدينوري إلى القدس قال: كان في مئة بغل، فلما مات تكين طلبوا مني بغلًا يحملونه عليه إلى القدس، فأحضرتُ البغال كلها، وجعلت كما وضعت التابوت على بغل عَرطَز فرماه، ووقع في خاطري أنه لا يحمله إلا البغل الذي حمل عليه الدينوري، فأتيته به، ووضعته عليه فحمله، فلما وصلنا به إلى القدس وقع التابوت به عند باب سليمان، فغفلنا عنه فبال عليه، ورددنا الدينوري على البغل.]


(١) قول المعافري والقرافي في الأربعين في شيوخ الصوفية للماليني ١٨٩ - ١٩٠، وانظر تاريخ الإسلام ٧/ ٦٤٧.
(٢) في (م ف م ١): ذكر في المناقب أن أبا الحسن الدينوري.