وفيها خُلع المُستكفي وسُمِل، وسببُ ذلك: أنَّ عَلَمَ القَهْرَمانة عَملت دعوةً عظيمة حضرها خرشيد الكوهي الدَّيلَمي، وكان مُقَدَّم الدَّيلَم، وجماعة من القواد، فاتَّهمها معزُّ الدولة، وخاف أنْ تفعل كما فعلَت مع توزون، وتُحلِّف الدَّيلَمَ للمستكفي، وتَزول رئاستُه.
وكان أصفهدوست الدَّيلَمي من كبارهم قد شَفَع إلى الخليفة في رجل شيعي من أهل باب الطَّاق يقال له: الشافعي، كان يُثير الفِتَن، فلم يقبل الخليفةُ شفاعتَه، فحقد على الخليفة، وقال لمعز الدولة: إنَّ الخليفةَ راسلني في أمرك، وأن ألقاه في الليل مُتنكِّرًا، فزاد ذلك مُعزّ الدولة سوءَ ظنٍّ.
فلما كان يوم الخميس لثمان بقين من جُمادى الآخرة -أو لثلاث بقين منه- دخل معزُّ الدولة على الخليفة وهو جالسٌ على سريره، فوقف على عادته، والناس وقوف على مَراتبهم، فتقدَّم رجلان من الدَّيلَم، وطلبا من الخليفة الرِّزقَ، فمدَّ يده إليهما ظنًّا منه أنَّهما يريدان تقبيلها، فجذباه من السَّرير، وطرحاه إلى الأرض، ووضعا عِمامتَه في عُنقه وجرَّاه.
ونهض معزُّ الدولة، واضطرب الناسُ، وهجم الدَّيلَم دارَ الخليفة، ودخلوا على الحُرَم ونهبوها، وقبضوا على القَهْرَمانة وخواصِّ الخليفة، ومضى مُعزُّ الدولة إلى دار مؤنس، وساقوا المستكفي ماشيًا من قصره إلى دار مؤنس، ولم يبق في دار الخليفة شيءٌ، وخُلع المستكفي من الخلافة، وسُمِلَت عيناه يوم خَلْعه، فكانت خلافتُه سنة وأربعة أشهر ويومين، وتوفي بعد خَلْعه في ربيع الأول سنة ثمان وثلاثين وسنُّه ستٌّ وأربعون سنة وشهران.
وقال المسعودي: لمَّا وَلي المستكفي الخلافةَ اجتهد في تحصيل الفَضْل بن المُقْتَدر، فلم يقدر عليه، وكان قد استتر، فهدم دارَه، وأخرب جميع ما كان فيها، وقطع أشجار بساتينه، وكان بينهما عَداوةٌ شديدة، وكان المستكفي خائفًا منه أن يَلي الخلافة ويُسلَّم إليه ليحكم فيه بما يريد، فما نفعه حَذَرٌ، وسُلِّم إليه، فسَمَله وفعل به ما أراد (١).