للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وخرج عن الدنيا، وصحب الفقراء، وصار أوحدَ زمانه حالًا ومَقالًا، فكان الجُنَيد يقول: [لا] تنظروا إلى الشِّبلي بالعين التي ينظرُ بها بعضُكم إلى بعض، فإنَّه عين من عيون الله.

ولكلِّ قومٍ تاجٌ، وتاج [هؤلاء] القوم الشِّبلي.

وقال القُشَيري (١): كان الشِّعبلي نسيجَ وَحْده حالًا وظَرْفًا وعلمًا، ومُجاهداتُه فوق الحدِّ.

وقال [: سمعت الأستاذ أبا علي] الدَّقَّاق [يقول]: بلغني أنَّه اكتحل بالمِلح ليَعتادَ السَّهَر.

وكان إذا دخل رمضان جَدَّ في الطَّاعات ويقول: هذا شهرٌ عظيمٌ، يجب على الناس تعظيمُه.

وقال الشِّبلي: خَلَّف أبي ستين ألف دينار سوى الضِّياع والعَقار، فأنفقتُها كلَّها، وقعدتُ مع الفقراء، حتى لا أرجع إلى مادّي، ولا أستَظْهِر بمعلوم.

وكتبتُ الحديث عشرين سنةً، وحفظتُ الموطَّأ، فلمَّا دخلتُ في الطريق غرَّقتُ الكلَّ في دجلة، وكانت كتبُه سبعين قِمَطْرًا فألقاها في الماء.

[وحكى عنه في "المناقب" أنه] رأى الحقَّ تعالى في منامه وهو مقبلٌ عليه، وقال له: مَن نام غَفَل، ومَن غَفَل حُجِب، فكان لا ينام.

وقال: اكتحلتُ بمِيلٍ مُحَمًّى لئلَّا أنام، ثم تمنَّيتُ النوم بعد ذلك، وأنشد: [من الوافر]

رأيتُ سرورَ قلبي في مَنامي … فأحببتُ التَّنَعُّسَ والمَناما (٢)


(١) في (م ف م ١): وقال أبو بكر القشيري، وهو خطأ، فإن كنيته أبو القاسم، انظر الرسالة ١٠٨، ومختصر تاريخ دمشق ٢٨/ ١٧٠.
(٢) في (م ف م ١): فكان لا ينام إلا قليل، وحكى أنه كان بعد ذلك يتكلف النوم ويقول: رأيت سرور … وكان يقول: اكتحلت بميل محمى لئلا أنام ثم تمنيت النوم بعد ذلك، والمثبت من (خ).
وهذا الخبر الذي نقله عن مناقب الأبرار هو فيه ٢/ ٣٩، وفي الرسالة القشيرية ٥٦٠ ولفظه: وقال الشبلي: اطلع الحق تعالى علي فقال: من نام غفل، ومن غفل حجب، فكان الشبلي يكتحل بالملح بعد ذلك حتى لا وأنشد في المعنى: =