للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال خير النَّسَّاج: كنَّا في المسجد، فجاء الشبلي وهو في سُكْره، فنظر إلينا ولم يُكلِّمنا، ثم هجم على الجُنَيد في بيته وهو جالس مع زوجته وهي مكشوفة الرأس، فهمَّت أن تُغطِّيَ رأسَها، فقال لها الجنيد: لا عليك أن تُغَطِّيه فإنَّ الشبلي ليس ها هنا، فصفَّق بيديه على رأس الجنيد وقال: [من الخفيف]

عَوَّدوني الوصال والوَصْلُ عَذبٌ … ورَمَوني بالصَّدِّ والصَّدُّ صَعْبُ

زعموا حين أَعْتَبوا أنَّ جُرْمي … فَرْطُ حبِّي لهم وما ذاك ذَنْبُ

لا وحُسْن (١) الخضوع عند التَّلاقي … ما جَزا مَن يُحِبُّ ألا يُحَبُّ

فقال الجنيد: هو ذاك يا أَبا بكر، ثم بكى الشبلي بكاءً شديدًا، فقال الجنيد لزوجته: غَطِّي رأسك فقد أفاق.

وسئل عن قوله تعالى: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [غافر: ٦٠] فقال: ادعوني بلا غَفْلَة، أَستجِبْ لكم بلا مُهْلَة.

وقال: ليس القبورُ قبورَ الأموات بل القبورُ أنتم؛ لأنَّ كلَّ واحدٍ منكم مقبورٌ في قَبْر شَهَواته، مَدْفونٌ في لَحْد إرادته وأنشد: [من الطويل]

قبورُ الوَرى تحت التُّراب وللهوى … رجالٌ لهم تحت الثِّياب قبورُ

وعندي دموعٌ لو بَكَيتُ ببعضها … لفاضَتْ بحورٌ دونَهنَّ بحورُ

وسئل: لِمَ تَصْفَرُّ الشمس عند الغروب؟ فقال: لأنَّها عُزِلَت عن مَقام التَّمام، فاصفرَّت لخَوْف المَقام، وكذا المؤمن إذا قارَبَت روحُه الخروجَ يَصفرُّ، فإذا بُعث خرج من قبره ووجهُه يُشرِقُ كما تُشرق الشمس إذا طَلَعت.

وقال له رجلٌ: أشكو إلى الله وإليك كثرةَ العيال، فقال: اذهب إلى بيتك وانظر مَن كان رزقُه عليك فأخرجه.

وقال أليس الحقُّ سبحانه يقول: "أنا جَليسُ مَن ذَكَرني" (٢)؟ فما الذي استفدتُم من مُجالسته؟


(١) في (خ ف): لا وحق، والمثبت من (م م ١)، وهو موافق لما في حلية الأولياء ١٠/ ٣٦٧، ومناقب الأبرار ٢/ ٣٥، ومختصر تاريخ دمشق ٢٨/ ١٨٣.
(٢) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (١٢٣١) و (٣٥٤٢٨) عن كعب الأحبار قال: قال موسى: أي رب، أقريب أنت فأناجيك، أم بعيد فأناديك؟ قال: يا موسى أنا جليس من ذكرني. =