فطرحتُ نفسي في دجلة والمقتدر يراني، فقال: أدركوه، فأخرجوني في آخر رَمَقٍ، فأحضرني عنده وقال: يا أبا بكر، يبلُغنا عنك أعاجيبُ؟! فحدَّثتُه بما خَطَر لي (١).
[وحكى السُّلميّ قال:] صنع ابنه أبو الحسن سماعًا للفقراء، فقالوا: لا يدخل علينا أبوك، فبينا هم كذلك إذ دخل الشبليُّ وبين أصابعه شَمْعٌ صغار، بين كلِّ أُصبعين شمعةٌ، ثمان شمعات، فاحتشموه، فقال: يا سادة مالكم؟ احسِبوني طِسْت شَمْعٍ، ثم قال للقَوَّال؟ قل، فقال: [من الهزج]
فلمَّا عاين الحِيرَ … ةَ حادي جَمَلي حارا
فقلتُ احْطُطْ بها رَحْلي … ولا تَعْبأ بمَن سارا
فتغيَّر وجهُه، ورمى الشَّمْعَ، وقام فخرج.
وخرج يوم عيد إلى المصلَّى، وعليه ثيابٌ زُرقٌ وسودٌ، وهو يبكي ويَنوح، فاجتمع الناس إليه، وسألوه عن حاله، فأنشد: [من البسيط]
تَزَيَّن النَّاسُ يوم العيد للعيد … وقد لَبِسْتُ ثيابَ الزُّرق والسُّودِ
والناس بالعيد قد سُرُّوا وقد فَرحوا … وما فرِحتُ وربّ العيدِ بالعيد
وأصبح الناسُ قد سُرُّوا بعيدهم … ورحتُ فيك إلى نَوْحٍ وتَعْديد
فالناسُ في فَرَحٍ والقلبُ في تَرَحٍ … شتَّان بيني وبين الناس في العيد
وأنشد أيضًا [في المعنى] يقول: [من المجتث]
للناس فِطْرٌ وعيدُ … إني فريدٌ وَحيدُ
يا غايتي وسُروري … إنْ تَمَّ لي ما أُريدُ
وأنشد أيضًا: [من الهزج]
إذا ما كنتَ لي عيدًا … فما أصنعُ بالعيد
جَرى حبُّكَ في قلبي … كَجَرْيِ الماء في العود
وأنشد أيضًا [في معناه]: [من البسيط]
الناسُ بالعيد قد سُرُّوا وقد فَرِحوا … وما فَرحتُ به والواحدِ الصَّمَدِ
لمَّا تيقَّنْتُ أنِّي لا أُعاينُكم … غَمَّضْتُ طَرْفي فلم أنظُر إلى أحدِ
(١) الأخبار الثلاثة في مناقب الأبرار ٢/ ٤٨ - ٤٩، ومختصر تاريخ دمشق ٢٨/ ١٩٠ - ١٩١.