للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تصدَّقتُ عن صاحبه بألوف، فما على قلبي شُغلٌ أعظمُ منه، ثم قال: وضِّئني للصلاة، ففعلتُ، ونسيتُ تخليلَ لحيته، وقد أُمسكَ على لسانه، فقبض على يدي وأدخلَها في لحيته، ثم مات [﵀]. وبكى جعفر وقال: ما تقولون في رجل لم يَفُتْه أدبٌ من آداب الشريعة في آخر عُمُره.

وقال [الخطيب: قال] أبو نَصْر الهَرَوي: كان الشبلي يقول: إنِّما يُحفَظ هذا الجانبُ من الدَّيالِمَة بي، يعني الجانب الشَّرقي من بغداد، فمات الشبلي يوم الجمعة، وعَبَرت الدَّيالمة يوم السبت إلى الجانب الشرقي.

وقال بُكير خادمه (١): وَجَد الشبلي خِفَّةً يوم الجمعة من وجعٍ كان به سَلْخ ذي الحجة [سنة أربع وثلاثين وثلاث مئة]، فقال لي: يا بُكير، تعز [إلى] الجامع؟ قلتُ: نعم، فخرجنا واتَّكأَ على يدي، فلمَّا حصلنا في الورَّاقين من الجانب الشرقي تلقَّانا رجلٌ شيخ، فقال الشبلي: غدًا يكونُ لي مع هذا الشيخ شأنٌ من الشأن، فقلتُ: يا سيدي مَن هو؟ فقال: هذا المُقبِل (٢)، وأومأ إليه بيده، وصلَّينا ورجعنا.

فلمَّا كانت ليلة السبت قضى، فقيل: في موضع كذا وكذا من درب السَّقَّائين شيخٌ صالح يغسل الموتى، فجئتُ إلى بابه فطرقتُه، فقال لي من داخل الدار: مات الشبلي، ثم خرج فإذا هو الشيخُ الذي لقيناه بالأمس، فقلتُ: لا إله إلا الله! فقال: ما لك؟ فقلت: بالله يا سيدي، من أين لك أنَّ الشبلي قد مات؟ فقال يا أبْلَه، فمن أين يكون لي مع الشبلي شأنٌ من الشأن إلا اليوم (٣)؟!

[وحدثنا غير واحد عن أبي القاسم الحَريري بإسناده، عن أبي القاسم النَّحاس قال: سمعتُ يوسف بن يعقوب الأصبهاني يقول: قال الأدمي القارئ: رأيتُ في المنام كأنَّ كلَّ مقبرة الخَيزُران أهلها جلوسٌ على قبورهم، فقلتُ: مَن تنتظرون؟ قالوا: قد وُعِدنا


(١) في (م ف م ١): وقال بكر خادم الشبلي، والمثبت من (خ). وانظر تاريخ بغداد ١٦/ ٥٧٢.
(٢) في (ف): شأن من الشأن ثم مضينا إلى الجامع وصلينا جميعًا فقلت يا سيدي من هو الذي تعنوه فقال هذا المقبل.
(٣) في (خ): إلى، والمثبت من (م ف م ١)، وفي تاريخ بغداد ١٦/ ٥٧٢: شأن من الشأن اليوم. وانظر المنتظم ١٤/ ٥٢.