للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

معه، وكان سليمان قد عمل معه ذلك اليوم، فأخذ سليمان الحوتين فباع أحدهما بأرغفةٍ، ونقر بطن الآخر ليشويه فظهر الخاتم، فلبسه، فردَّ الله عليه ملكه.

والثالث: ذكره الضحاك عن ابن عباس، روى: أن بعض نساء سليمان كان يضع الخاتم عندها، فجاء الشيطان في صورته فأخذه منها، وهرب سليمان إلى الصيَّادين يستطعم، فضربه بعضهم بمسحاةٍ فشجَّه، فجعل يغسل الدم على البحر، فلام الصيادون من ضَرَبه وقالوا: بئس ما فعلت، عَمَدْتَ إلى رجل فقير مجهود ففعلت هذا، ثم ألقوا عليه حوتًا وكان جائعًا فشقَّ بطنه، فإذا بالخاتم، فلبسه فردَّ الله عليه مُلْكه، وقام الذي ضربه يعتذر إليه، فعذره وقال: هذا أمرٌ لا بدَّ منه (١).

وذكر الثعلبي: أن سليمان لما افتتن سقط الخاتم من يده، فأعاده مرارًا وهو يسقط، فقال له آصف: إنك مفتون، وإن الخاتم لا يثبت في يدك حتى ينقضي زمان البلاء، ففِرَّ إلى الله تعالى تائبًا، وأنا أقومُ مقامَكَ، وأسيرُ بسيرتك؛ فهرب سليمان، ولبس آصف الخاتم، وأقام يسير بسيرة سليمان إلى أن يعود (٢).

قلت: وليس هذا القول بشيء، وعامة العلماء على الأول.

وقال ابن المسيِّب: احتجب سليمان عن الناس ثلاثة أيام، فأوحى الله تعالى إليه يا ابن داود، احتجبت عن عبادي ثلاثة أيام لم تنظرْ في أمورهم، ولم تنصفِ المظلومين من الظالمين، وعزَّتي لأسْلُبَنَّك مُلكك، قال: فكان سليمان بعدها لا يحتجب عن الناس ليلًا ولا نهارًا.

وذكر مقاتل أن سليمان تزوّج امرأةً من غير بني إسرائيل، فعاقبه الله تعالى، وكل هذه الأقوال فيها نظر، والأصحُّ القولُ الأول.

وقال جدي في "التبصرة": لما لبس الخاتم ردَّ الله عليه ملكه وبهاءه، وأظلَّتْهُ الطير، فأقبل لا يستقبله إنسيٌّ ولا جنيّ ولا طائر ولا حجر ولا شجر إلا وسجد له، حتى انتهى إلى منزله، ثم أرسل إلى الشيطان فجيء به، فجعله في صندوق من حديد وقفل وختم


(١) انظر الخبر في "عرائس المجالس" ص ٣٢٦.
(٢) انظر "عرائس المجالس" ص ٣٢٧.