للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[قال:] فأخبرتُ الوزير فقال: ويْحَك، ما رأيتُ أعجبَ منك، رأيتَ الخَضِرَ ثلاثَ مَرَّات وأنت لا تعرفُه، فلمَّا كان بعد أيام قدم حاجب الخليفة، ومعه خمسُ مئة راحلة وكتاب إلى علي بن عيسى يستدعيه، فما رؤي بعد ذلك في المسجد.

[قلت: وهذه الحكاية تدلّ على فضل الوزير لا على ذَمِّه؛ لأنه عرف الخضر والرجل لم يعرفه، وقول الخضر: ما فيه شيء لله؛ أراد مرتبة الكمال وترك الدنيا، ولا خلاف في دين الوزير وصلاحه، وكذا قول الخضر: وجد مناه، أراد له الدنيا.]

وكان الوزير مُمَدَّحًا، وفيه يقول الشاعر: [من الطويل]

وَحَسبُك أنِّي لا أرى لك عائبًا … سِوى حاسدٍ والحاسدون كثيرُ

وأنَّك مثل الغيث أمَّا سَحابُه … فمُزْنٌ وأمَّا ماؤه فطَهورُ (١)

[قال الخطيب:] وكان الوزير فَصيحًا أديبًا (٢) ومن شعره: [من الطويل]

فمَن كان [عنِّي] سائلًا بشماتة … لما نابني أو شامتًا غير سائلِ

فقد أبرَزَتْ منِّي الخطوبُ ابنَ حُرَّةٍ … صَبورًا على أهوال تلك الزَّلازل

[ذكر حكايته مع الأسارى:

حكى القاضي مُكْرَم بن بكر قال: دخلتُ على علي بن عيسى ذات يوم وهو مَهْموم، فقلتُ: ما الذي بالوزير؟ فقال: كتب إليَّ عاملُ الثَّغْر يقول: إنَّ الأُسارى الذين عند الرُّوم من المسلمين كانوا في رِفْقٍ حتى وَلِي ملك الروم آنفًا، فعَسَفَهم وأجاعهم [وأعراهم] وعاقبهم، وأنهم في ضُرٍّ شديد وعذابٍ أليم، ولا حيلة لي في هذا، والخليفة لا يُساعدني على إنفاق الأموال وإنفاذ الجيوش إلى القُسْطنطينية، فقلتُ: هاهنا أمرٌ أسهل من هذا، قال: وما هو؟ قلتُ: بأنطاكية عظيمٌ لهم يُقال له: البَطْرك، وبالقدس آخر يُقال له: الجاثليق، وأمرُهما نافذٌ على ملك الروم، وهما في ذِمَّتنا،


(١) من قوله: وكان الوزير ممدحًا .... إلى هنا ليس في (م ف م ١)، والأبيات في تكملة الطبري ٣٥٩، وتاريخ بغداد ١٣/ ٤٦١، وتاريخ دمشق ٥١/ ١٢٦.
(٢) في (ف م ١): فاضلًا، والمثبت من (م)، وليست في (خ)، والخبر في تاريخ بغداد ١٣/ ٤٦١.