للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أخرج أخرى وأخرى حتى ملأ الدنيا، فأطعمتُ منه أهل القافلة، وحملتُ منه إلى بغداد، فلما كان بعد أيام اجتاز بي ذلك الففير، فرآني نائمًا ورجلي الواحدة مكشوفة فقال: أما يكفيك أن تنام بين يدي سَيِّدك حتى تَمُدَّ رجلَك؟ وضرب رجلي بكُمِّه، فوقع عليها مثل النار، فإذا غطَّيتُها ضَرَبت علي، وإذا كشَفْتُها سكن الضَّرَبان.

[وحكى الخطيب عن جعفر الخُلْدي] قال: رأيت في منامي (١) قائلًا يقول: اذهب فاحفر موضع كذا، فحفرتُه فإذا صندوق فيه دفاتر وحُزمة، ففتحتها وقرأتها، فإذا فيها أسامي ستة آلاف شيني من الأولياء وأرباب الحقائق من لدن آدم إلى وقتنا هذا، ونعوتُهم، وكلُّهم يدعو إلى مذاهب أهل الحقائق، وكان في تلك الكتب عجائب، فدفنتُها خوفًا أن تسألني المشايخ غدًا بين يدي الله تعالى ويقولون: لمَ أخرجتَ أسرارنا إلى الخلق.

[وحكى عنه في "المناقب"] قال: بقيتُ أياما في البادية ما أكلت شيئًا، فجئت إلى كوخ، فرأيت شابًّا قائمًا يصلي، فقلت في نفسي: وقت المغرب يؤتى هذا بطعام فآكل معه، فأقمت ثلاثًا لم يؤت بطعام، فقلت: هذا شيطان، فانصرفتُ، فناداني: يا جعفر، أنت كما سُمِّيت: جاعَ فَرَّ (٢).

[وحكى عنه أيضًا أنه] قال: رأيتُ ببيت المقدس رجلًا مُلتفَّا في عباءة طول الليل -أو النهار- ثم وثب ورفع رأسه إلى السماء وقال: أيُّما أحب إليك: تُطعمني مَضِيرَة وفالوذَج (٣) أو أكسر قناديلك؟ ثم نام، فقلت: إما أن يكون وليًّا لله تعالى أو به سَوداء، وإذا برجل دخل المسجد، فجعل ينظر يَمْنَةً وَيَسْرة وبيده زِنْبيل، فجاء فقعد عند رأس الرجل، فأيقظه، وأخرج من الزِّنْبيل مَضيرة وفالوذجًا حارًا، فأكل الفقير حتى شبع، ثم قال له: رُدَّ الباقي إلى صِبيانك، فقام الرجل من عنده، فتبعتُه وقلت له: بالله، هل بينك


(١) في (م): اليمن، وما بين معكوفين من (م ف م ١)، والخبر في تاريخ بغداد ٨/ ١٤٨.
(٢) في (خ): جائع فقير، والمثبت من (ف م م ١)، والخبر في مناقب الأبرار ٢/ ١٥٣، وأخرجه الخطيب ٨/ ١٤٩.
(٣) المضيرة: طبيخ يتخذ من اللبن الحامض واللحم، والفالوذج: حلواء تعمل من الدقيق والماء والعسل، والخبر في مناقب الأبرار ٢/ ١٥٣.