للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فأرسلوا يطلبون الأمان، فأمَّنهم وفتحوا له أبواب المدينة فدخلها، وندم حيث أمَّنهم، ونادى بأن يخرجَ جميعُ مَن في البلد إلى الجامع، فلمَّا أصبح بث رَجَّالته وكانوا ستين ألفًا، فكلُّ مَن وجدوه في منزله قتلوه، فقتلوا عالمًا لا يُحصى، وأخذوا جميع ما كان فيها، وكان في الجملة سبعون ألف رُمْح، وقطع من حوالي البلد أربعين ألف نَخْلة، وهدم المنازل وأحرقها.

ونادى: مَن كان في الجامع فليذهب حيث شاء، ومَن أمسى فيه قُتل، فازدحم الناس في أبوابه حتى مات منهم خلقٌ عظيم، ومرُّوا على وجوههم حُفاةً عُراة لا يدرون أين يأخذون، فماتوا في الطُّرُقات عَطَشًا وجوعًا.

وأخرب أسوار البلد، وأحرقَ الجامع والمِنْبَر، وهدم حولها أربعةً وخمسين حِصْنًا، منها بالأمان ومنها بالسيف، كذا ذكر ثابت بن سنان، وأقام في بلاد الإسلام عشرين يومًا، وأخذ من أهل بَغْراس مئة ألف درهم وأقرَّهم، ولمَّا عاد إلى بلاده أعاد سيف الدولة عين زَرْبة إلى بعض ما كانت عليه بعد مدة.

ذكر دخول الروم حلب:

وهي حادثةٌ لم يَجْر في الإسلام مثلُها، كان سيف الدولة قد ظنَّ أنَّ الدُّمُسْتُق لا يعود إلى بلاد الإسلام في هذه السنة، فأقام بحلب غير مُسْتعدٍّ، فبينا هو غافلٌ وإذا بالدُّمُسْتُق قد أقبل ومعه ابنُ أخت الملك، ولم يعلم سيفُ الدولة به حتى بَغَتَه، فخرج إليه، وحاربه الدمستق في مئتي ألف، منهم ثلاثون ألف راجل بالجَواشِن (١)، وثلاثون ألف فاعل للهَدْم بطريق البلخ، فلم يثبت له سيف الدولة، فانهزم في نفرٍ يسير، وكانت دارُه بظاهر البلد، فجاء الدمستق إليها، فوجد فيها ثلاث مئة وتسعين بَدْرة دراهم، وألفًا وأربع مئة بغل، ومن السلاح ما لا يُحصى، فأخذ الجميع، وأحرق الدار، وملك الرَّبَض.

وقاتله أهل حلب من وراء السُّور، فقتلوا [جماعةً من الروم، فسقطت ثُلمةٌ من السُّور على جماعة] من أهل حلب، فطمع الروم في تلك الثُّلْمَة فأكبُّوا عليها، ودافع


(١) الدروع.