أهلُ البلد عنها، فلمَّا جاء الليل بنَوها، ولمَّا أصبحوا صَعِدُوا عليها وكبُّروا، فعدل الروم عنها إلى جبل جَوْشَن فنزلوا به، ومضى رَجَّالةُ الشُرَط بحلب إلى منازل الناس (١) فنهبوها، وإلى خانات التجار، فقيل لمَن على السُّور: اِلحقوا منازلكم، فنزلوا وأخلَوا السور، وتسوَّروه الروم، ونزلوا ففتحوا الأبواب، ودخلوا فوضعوا السيف في الناس.
وكان في البلد ألفٌ ومئة من الروم أُسارى، فتخلَّصوا وحَملوا السِّلاح، وعادوا الروم فما زالوا يقتلون حتى كَلُّوا ومَلُّوا، وسَبَوا من الرجال والنساء بضعة عشر ألف صبي وصَبية، وأخذوا من الأموال والأمتعة والأسلحة وأموال التجار ما حَمل الدُّمُسْتُق بعضَها على البغال التي أخذها لسيف الدولة، فلمَّا لم يبقَ معه شيء أحرق الباقي، وعمد إلى الحُبابِ التي فيها الزيت فصبَّ فيها الماء حتى فاضَ الزيتُ على وجه الأرض فشربَتْه، وأخرب الجامع والمساجد، وأقام فيها تسعة أيام، وكان معه أربعة آلاف بغل عليها حَسَكُ حديدٍ مُطرَّحةً حول العسكر بالليل إلى غير ذلك، وما نجا منه إلا مَن صَعِد قلعة حلب بنفسه.
ولمَّا كان اليوم التاسع أراد أن ينصرفَ بما معه، فقال له ابنُ أخت الملك: هذا بلدٌ قد حصل في أيدينا، وليس ثَمَّ مَن يدفعنا عنه، والوزراء والقُوَّاد والأعيان والكُتَّاب والأموال والجواهر في القلعة، فبأيِّ سبب ننصرفُ وما فتحناها؟ فقال الدُّمُسْتق: قد وصلنا إلى ما لم يَكن في الحساب من القتل والسَّبْي والأسر وأَخْذ المال والسلاح والكُراع، وغنمنا غنيمةً ما غنمها أحدٌ ولا سمع بمثلها، والذي في القلعة ما عندهم غيرُ نفوسهم، وإذا نزلوا هلكوا؛ لأنَّهم لا يجدون قوتًا، والرأي أن ننصرف فإن طلب الغايات رَديء، فقال ابنُ أخت الملك: لا بدَّ لي من القلعة، فقال: انْزِل عليها وقاتلها وحاصرها، ولا تُلِحَّ في قتالها، فإنْ حصَرْتَها أيامًا أخذْتَها، فقال: لا آخذُها إلا بالسيف، فقال الدمستق: أنا مقيمٌ على باب البلد في عسكري.
فأصبح ابنُ أخت الملك، وأخذ تُرْسًا وسيفًا، وأتى القلعة ومَسْلَكُها ضَيِّقٌ لا يحمل أكثرَ من واحد، فصَعِد وصعد خلفه جماعةٌ من أصحابه، واحدٌ بعد واحد، فكان في
(١) في (خ): منزلهم، والمثبت من الكامل ٨/ ٥٤٠، وانظر تكملة الطبري ٣٩٤، والمنتظم ١٤/ ١٤٠ - ١٤١، وتاريخ الإِسلام ٨/ ٨.