للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفيها كتب القرامطة إلى سيف الدولة يستهدونه (١) حديدًا، فقلع أبواب الرَّقَّة وهي من حديد وسدَّها (٢)، وأخذ كلَّ حديد وجد بديار مُضَر؛ حتى انتهى إلى أخذ مَوازين الباعة والبقَّالين، حتى كتب القرامطة إليه: قد استغنينا عنه، فأخذ القاضي أبو حُصين الأبواب فكسرها، وصاغ منها أبوابًا لداره، ثم طلب القرامطة حديدًا فبعث إليهم القاضي بأبواب داره، وكان الحديد يُحمل إليهم في الفرات إلى هِيت، ثم يُحمل في البَرِّيَّةِ إلى هَجَر (٣).

وفيها (٤) خرج معزّ الدولة في ربيع الآخر إلى الموصل لأمرٍ جرى بينه وبين ناصر الدولة، وقيل: في جمادى الآخرة (٥)، فانحدر من داره إلى دار الخليفة مودِّعًا له، فودعه وخرج إلى مَضاربه بباب الشَّمَّاسِيِّة.

قال أبو الحسن الخُراساني حاجب معزّ الدولة: كنت معه بحضرة المطيع، فلما تَقوَّض المجلس قال لي: قل للخليفة: إني أريد أن أطوفَ هذه الدار وأشاهدَ صُحونها وبساتينها، فتأمر مَن يمشي معي ويُريني ذلك، فقلت للخليفة، فتقدَّم إلى خادمه شاهك وحاجبه ابن أبي عمرو (٦)، فمشيا بين يديه وأنا وراءهما، وبَعُدْنا عن الحَضْرة، فقالا لمعز الدولة: لا يجوز أن نتَخَرَّق الدار في أكثر من اثنين أو ثلاثة، فاختر من تريد ورُدَّ الباقين، فاختار أبا جعفر الصَّيمَريّ وعشرة أنفس من غلمانه وحُجّابه، ووقف باقي الجند والحاشية في صحن السلام، ودخلنا، ومضى مُعزّ الدولة مُسرعًا، فجذبتُ قَباءه من خلفه، وقلت له بالفارسية: في أيِّ موضع أنت حتى تسترسل وتعدو من غير تَحفُّظٍ ولا استظهار؟! ألا تعلم أنه قد فُتك في هذه الدار بألف أمير وألف وزير؟! فلو وقف لنا عشرة في مضيق لأخذونا في هذه المَمَرَّات، فقال له الصَّيمَريّ: لقد صدقك، فقال:


(١) في (ف م ١): يسألونه، وفي (م): يستمدونه.
(٢) في (م): وشدها.
(٣) بعدها في (ف): والحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمَّد وآله وصحبه وسلم.
(٤) من هنا إلى أول السنة (٣٥٤ هـ) ليس في (ف م م ١).
(٥) في الكامل ٨/ ٥٥٣ أن ذلك كان في رجب، وانظر المنتظم ١٤/ ١٥٦، وتاريخ الإِسلام ٨/ ١٣، والنجوم الزاهرة ٣/ ٣٣٦.
(٦) في (خ): خادمه ساهل، وحاجبه عمرو، والمثبت من المنتظم ١٤/ ١٥٦.