وقصد أبو تغلب أخاه حَمْدان إلى الرَّحْبة، وبعث في مُقَدّمته أخاه هبة الله، فدخل حمدان البرية، وأقام أبو تغلب بَقْرقيسيا، ثم دخل حمدان بغداد، فنزل في الدار التي فيها عِيالُه، وتعرف بدار زُريق الكاتب (١)، وكان عزُّ الدولة غائب أبو اسِط، فلما قدم بغداد أكرمَهَما وأحسن إليهما إحسانًا كثيرًا.
وقال ثابت بن سنان: لما وقع الخلاف بين أبي تغلب وأخيه حمدان -وكان حمدان بالرقَّة- كتب إلى أخيه أبي تغلب يَحلف له بالإيمان المُغَلَّظة، وبطلاق زوجته بنت سعيد بن حَمدان؛ أنه إن أحوجه ليستعينَنَّ عليه بعزِّ الدولة والدَّيلَم، فإن بلغ ما يريد وإلَّا استعان عليه بالقرامطة الهَجَرِيِّين، فإن بلغ ما يريد وإلا استعان عليه بملك الروم، فلما وقف أبو تغلب على كتابه استشاط، وقبض ضِياعَه، وطرد غِلمانه، وبعث إليه أخاه أبا البركات لقتاله، فوصل إلى الرحبة في شعبان، فاستأمن أكثرُ أصحاب حمدان، فصار حمدان إلى مكان يعرف بالدَّالية في مئة رجل، وأخذ عياله وماله، وانحدر إلى بغداد فدخلها في شهر رمضان، فتلقَّاه عز الدولة والحاجب الكبير والجيش، وأنزله في دار قريبة منه وأكرمه.
وكان عزُّ الدولة قد بعث سُبُكْتِكين العَجميّ مولى مُعزّ الدولة للقاء حَمدان من البرية، فلقيه عند هِيت، وانفصل عنه ومضى يتصيَّد، فعَنَّ له حَمير وَحْش، فركض يطلبها، فصرع منها ثلاثة، وصَدَمه غلام له وهو يركض، فوقع على رأسه فأسكت، ومات يوم الجمعة في رمضان ببغداد، وكان قد حُمل إلى منزله، فدفن بمقابر قريش لإحدى عشرة ليلة خلت من رمضان.
وحمل بختيار إلى حمدان مئة وخمسين ألف درهم، وثلاث مئة ثوب من ألوان الخزِّ، والدِّيباج، والعتابيّ، والقَصَب، والدَّبيقي، وعشرة أفراس، وعشرة أبغُل، وأطواق الذهب والفضة، وغير ذلك من الفُرش والمتاع والأثاث، وسفر بينه وبين أخيه في الصُّلح، وقد ذكرناه.
(١) في تكملة الطبري ٤١٨: دار ابن رزق الكاتب النصراني.