وخرج حمدان من بغداد لخمسٍ بقين بن جمادى الآخرة إلى الرَّحبة، وحمل إليه عز الدولة مثل ما حمل إليه أولًا، وشيَّعه إلى ظاهر بغداد، وخلَّف زوجتَه وأمواله ببغداد، وأفرج أبو تغلب عن الرَّحبة فدخلها، وذكر بمعنى ما ذكرنا من قبل عن أبي البركات، وعودِ إبراهيم وحمدان إلى بغداد، وحمل إليهما عز الدولة الأموال والثياب والهدايا.
وفي رمضان قدم الوزير أبو الفضل العباس بن الحسين من الأهواز، وتلقاه الأمير عزُّ الدولة بالوادي والجيشُ والقواد.
وفيها لما قدم عز الدولة بغداد نقل أباه معز الدولة من داره إلى تربة بُنيت له بمقابر قريش، مجاورة لقبر موسى بن جعفر ﵇، وهي قائمة إلى هلمَّ جَرا، ومشى بختيار بين يدي تابوته، ولم يتخلَّف أحد من الدولة إلا المطيع.
وفيها استولى القائد أبو الحسن جَوْهر غلام المنصور بن القائم بن عبيد الله المهدي على مصر، وكان أرسله إليها المعز لدين الله أبو تميم مَعَدُّ بن المنصور، وبعث معه الجيوش والقبائل والبربر والخزائن، فدخلها في شعبان يوم الثلاثاء لثلاث عشرة ليلة بقيت منه، وخطب للمعزّ بها على جميع المنابر، وكان الخطيب عبد السَّميع بن عمر العباسي، وانقطعت دعوة بني العباس في هذه السنة من مصر والحجاز واليمن ونواحيها والشام، وصارت للمصريين، وهربت الإخشيدية من مصر إلى الشام، ولم تزل الدعوة للمصريين بهذه الأماكن من هذه السنة إلى سنة خمس وستين وخمس مئة، مئتي سنة وثمان سنين، ومضى بعد المطيع سبعة من الخلفاء، حتى عادت الدعوة في زمن المستضيء لما نذكر إن شاء الله تعالى.
ولما وصل القائد جوهر إلى مصر كان الحسن بن عبيد الله بن طُغْج بالرَّمْلة، والشام بيده، فبعث إليه القائد جوهر قائدًا يقال له: جَعفر بن فلاح، فقاتلهم فأخذوه أسيرًا، وبعث به جعفر إلى مصر، فبعث به جوهر إلى المُعِزّ إلى المغرب، فكان آخر العهد به، وهذا الحسن -وكنيته أبو محمَّد- هو الذي مدحه المتنبي بقوله:[من الطويل]
أيا لائمي إن كنتَ وقْتَ اللوائمِ … علمتَ بما بي بين تلك المَعالِمِ (١)