للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فصل في ذكر دخول أبي تميم المُعِزّ مصر:]

قال ابن الصابئ: وفي يوم الجمعة الثامن من شهر رمضان دخل المعزُّ إلى مصر ومعه توابيتُ آبائه، وقد مهَّد له جوهر الأمور، وبنى له القاهرة، فكان نزوله فيها.

[هذه صورة ما ذكر ابن الصابئ، وحكاه جدي في "المنتظم" (١).

قلت: ولابدَّ من ذكر السبب في مجيء المعزِّ إلى مصر، وترك بلاد المغرب مع سَعَتها وكثرة مُدنها، فذكر القاضي] عبد الجبار البصري [وقال:] كان السبب في مجيئه إلى مصر أن الروم كانوا قد استولوا على الشام، والثُّغور، وطَرَسوس، وأنطاكية، وأَذَنة، وعين زَرْبَة، والمِصِّيصة وغيرها، ففرح بمُصاب المسلمين، وبلغه أن بني بُويه قد غَلَبوا علي بني العباس، وأنهم لا حُكْمَ لهم معهم، فاشتدَّ طَمَعُه في البلاد، وكان له بمصر شيعةٌ يكاتبونه ويقولون: إذا زال الحَجَر الأسود ملك مولانا المعزُّ الدنيا كلها، ويعنون بالحجر الأسود كافورًا، وكان كافور يومئذ أميرَ مصر نيابةً عن أبي محمد الحسن بن عُبيد الله بن طُغْج، وكان الحسن قد دخل مع الشيعة في الدَّعوة، وكان ضعيفًا رِخْوًا، قد طمع فيه الجند وكرهوه وكرههم، فقال له أبو جعفر بن نَصْر -وكان من دُعاة المعزّ: هؤلاء القوم قد طمعوا فيك، والمعزُّ لك مثلُ الوالد، فإن شئتَ كاتبتَه ليَشُدَّ منك، ويكونَ من وراء ظهرك، فقال: إي والله قد أحرقوا قلبي.

فكتب إلى المعزّ فأخبره، فبعث القائد جوهرًا -وهو عبد روميّ- لهم في مئة ألف مقاتل، فدخل مصر في سنة ثمان وخمسين وثلاث مئة بغير حَرْب، فاستولى على الخزائن والأموال والذَّخائر، وخرج الحسن ابن طُغْج إلى الرَّمْلَة، فبعث إليه ابن فلاح فأسره، وبعث به إلى جوهر، فبعث به إلى المعزِّ، فلما دخل عليه قَرَّبه وأدناه وبَشّ به، وقال له: أنت ولدي، وإنما بعثتُ جوهرًا لينصرَك، وقد لحقني بتجهيز الجيوش أربعة آلاف ألف دينار وخمس مئة ألف دينار، فظنَّ الحسنُ أن الأمر كما قال، فسعى إليه بجماعةٍ من قُوَّاد مصر والأمراء وأرباب الأموال، وكان كلُّ واحدٍ منهم مثل قارون في


(١) ١٤/ ٢١٥.