للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الغنى، فكتب المعزُّ إلى جَوهر باستئصالهم، وأخذ أموالهم، وأن يبعث بهم إليه، ففعل جوهر، فحبسهم مع الحسن، فكان آخر العهد بهم.

[قال عبد الجبار:] ولما دخل المعزُّ إلى القاهرة احتجب في القصر، وبثَّ عيونه (١) ينقلون إليه أخبار الناس، وهو متوفر على التنعُّم (٢)، والأغذية المسمّنة، والأطلية التي تُنقّي البشرة وتحسِّن اللون، ثم ظهر للناس بعد مدة وقد لبس الحريرَ الأخضر، وجعل على وجهه اليواقيت والجواهر تلمع كالكواكب، وزعم أنه كان غائبًا في السماء، وأن الله رفعه إليه، فامتلأت قلوب العامَّة والجُهّال منه رُعبًا وخوفًا، وقطع ما كان على ابن الإخشيد كل سنة من الأتاوة للقرامطة، وهو ثلاث مئة ألف دينار.

وفيها ضاق الأمر على عزّ الدولة، فبعث إلى الخليفة يطلب إسعافه، فباع المطيع له ثيابَه وأنقاضَ داره من ساجٍ ورصاص، وجمع من ذلك أربع مئة ألف درهم، وبعث بها إليه، ثم ازدادت ضائقتُه، فقبض على وزيره [أبي الفضل] العباس [بن الحسين الشيرازي]، وصادره على ألفي ألف درهم، واستوزر أبا طاهر محمد بن [محمد بن] بَقيَّة.

والسبب في ذلك: أن عز الدولة لما عاد من واسِط، وصالح عمران صاحب البَطيحَة؛ طلب من وزيره الشِّيرازي المال ليدفعه إلى الرجال، فعدل إلى المصادرات حتى لأهل الذِّمَّة، فكثر الدعاءُ عليه في الجوامع والبِيَع والكنائس، واتفق أنه أحرق الكَرْخ، وطالب المطيع بمال وقال: إن مساعدةَ الغُزاة تجب على الإمام، فقال له المطيع: إنما يلزم الإمام ذلك إذا كانت الدنيا في يده، فأما وليس في يدي منها إلا القوت القاصر عن كفايتي، وهي في يد غيري، ما يَلزمني غَزوٌ ولا حجٌّ ولا شيءٌ مما تنظر الأئمة فيه، وإنما لكم مني هذا الاسم الذي يُخطَب به على المنابر، فإن أحببتم أن أعتَزِل.


(١) في (ف): وبعث أعوانه.
(٢) في (ف م م ١): النعم.