للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كيف ترون في أرض كانت خرابًا زمانًا، مواتًا لا عمران بعدها، وكان لها ربّ حكيم قوي، أقبل عليها بالعمارة وأحاط عليها جدارًا، وشيَّد فيها قصرًا، وأنبط فيها نهرًا، وغرس فيها ألوان الثمار والأشجار، واستحفظها ذا رأي وهمة قويًا أمينًا، فلما أطلعت جاء طلعُها خَرُّوبًا، فقالوا: بئست الأرض هذه، نريد أن نهدم جدارها، ونخرب قصرها، وندفن نهرها حتى تعود مواتًا كما كانت، فقال الله تعالى: إنَّ الجدار ذمتي، والقصر شريعتي، والنهر كتابي، والقيِّم نبيِّي، وأنتم الغراس، والخروب أعمالكم الخبيثة، وإني قد قضيت عليكم قضاءكم على أنفسكم تتقرَّبون إليَّ بذبح البقر والغنم التي لا تنالني لحومُها، ولم تتقرَّبوا إليَّ بالتقوى والكفِّ عن ذبح النفوس المحرَّمة. تشيِّدون المساجد وتنجِّسون القلوب، وأي حاجة لي إلى تشييد البيوت ولستُ أسكنها، وأي حاجة إلى تزويق المساجد ولست أدخلها، إنما أمرت برفعها لأُذْكَرَ فيها، وتكون مَعْلمًا لمن أراد الصلاة فيها، وذكر الثعلبي كلامًا طويلًا، وقال: فلما فرغ شَعْيَا من خطبته كذبوه وطلبوه ليقتلوه، فهرب منهم، فصادف شجرة فانفرجت له فدخل فيها فانضمت عليه، فأخذ بثوبه الشيطان وبقي هدبة منه، فعرفها بنو إسرائيل فوضعوا المنشار في وسط الشجرة حتى قطعوها وقطعوه في وسطها نصفين (١).

قال الثعلبي: فاستخلف الله على بني إسرائيل رجلًا منهم يقال له: ناشئة بن أموص، وبعث لهم الخَضِر نبيًا، واسم الخضر: إرميا بن حلقيا، وكان من سبط هارون بن عمران، وإنما سمي الخضر لأنه جلس على فروة بيضاء فاهتزت خضراء (٢).

قلتُ: وقد وهم الثعلبي، لما ذكرنا أنَّ الخَضِر لم يكن نبيًا، وكان وزير ذي القَرْنَيْن وابن خالته، وهو صاحب موسى، وقد ذكرناه.

وقال في "المعرَّب": إرمياء - بكسر الهمزة والمد - اسم النبيَّ ، أعجمي معرَّب (٣).


(١) "عرائس المجالس" ص ٣٣٥.
(٢) "عرائس المجالس" ص ٣٣٥، وتفسير الثعلبي ٦/ ٧٥، وأخرج أحمد (٨١١٣)، والبخاري (٣٤٠٢) من حديث أبي هريرة ، عن النبي قال: "إنما سمي خضرًا أنه جلس على فروة بيضاء فإذا هي تحته تهتز خضراء".
(٣) "المعرّب" ص ٦٩.