للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واختلفوا فيه:

فقال وهب: هو إرميا الأكبر.

وقال السُّدي: هو الأصغر.

واختلفوا في زمانه:

فقال وهب: كان في زمان بُخْتَ نَصَّر. وقال ابن إسحاق: في زمان الإسكندر الثاني. وقيل: في أيام كيقابوس وكيخسرو، والأول أصح.

وقال وهبْ كان إرميا غلامًا من أبناء الملوك، وكان زاهدًا، ولم يكن لأبيه سواه، وكان أبوه يعرض عليه النكاح وهو يأباه مخافة أن يشتغل عن العبادة، فألحَّ عليه أبوه وزوَّجه في أهل بيت من عظماء المملكة، فلما دخل بالمرأة قال: يا هذه إني أُسِرُّ إليك سرًا فإن سترته عليَّ ستر الله عليك في الدنيا والآخرة، وإنْ أفشيته فَضحَكِ الله في الدنيا والآخرة، قالت: وما هو؟ قال: إني لا أريدُ النساء، فأقامت معه سنة، فأنكر أبوه ذلك وسأله فقال: ما طال العهد بعد، وسأل المرأة فقالت كذلك، ففرَّق بينهما وزوَّجه أخرى، فاستكتمها أمره، وأقام سنة، فسأله أبوه فقال مثل ذلك، وسأل المرأة فقالت المرأة: وهل تلدُ المرأة من غير زوج؟! فغضب عليه أبوه فخاف منه فهرب (١).

وقتل بنو إسرائيل شَعْيَا وطغوا وتجبَّروا، فبعث الله إرميا نبيًّا وكان من أولاد الملوك تزهد، فلما بعثه الله نبيًا، قال الله تعالى: إني منتقم من بني إسرائيل ومهلكهم. فحثا على رأسه الرماد وقال: إلهي وددتُ أن أمي لم تلدني حيث جعلتني آخر أنبياء بني إسرائيل، وجعلتَ خرابَ البيت المقدس على يديَّ. ثم قال: يا رب ومن تُسلِّط عليهم؟ فقال: عَبَدَة النيرانِ والأوثان، لا يخافون عقابي، ولا يرجون ثوابي، قم على صخرة بيت المقدس واسمع ما أقول.

وقد روى القصة جماعة منهم وهب والسُّدي والكَلبي ومقاتل وابن إسحاق وغيرهم، قال وهب: ولما بعث الله إرميا كان مع الملك ناشِيَة يسدِّده ويرشده، فأقام مدة، وفشت الأحداث (٢) فيهم، ونسوا ما فَعَلَ الله معهم في قصة سَنْحاريب، فأوحى


(١) انظر "المنتظم" ١/ ٤٠١ - ٤٠٢.
(٢) في (ط): الأحوال، والمثبت من المصادر.