وبرز عمدة الدولة أبو إسحاق بن مُعزّ الدولة -وكان يَخْلُف أخاه عز الدولة- إلى باب الشَّمَّاسِيَّة، وانتقل المطيع وأهلُه وجميع أسبابه إلى قصر معز الدولة، وعبر عمدة الدولة بطائفة من الجيش إلى الجانب الغربي لقتال أبي تغلب، ووصل ابنُ بقية فشدَّ من عمدة الدولة، وجاء الحاجب سُبكتكين إلى أَوانا، ورجع أبو تغلب إلى أوانا، ووقع الطِّراد بين العَسكَرَين، ثم تكافَّا وتراسلا في الصُّلح.
وأصعد أبو طاهر بن بقية من بغداد، واجتمع بسبكتكين، وحضرهما رسل أبي تغلب، واستقرَّ العقد على ما كان عليه في الأول وزيادة ألف كُرٍّ في كل سنة، وزيادة مال.
وسار أبو تغلب يريد الموصل، وعز الدولة في خفَّةٍ من العَسْكر، وتحدَّث الناس بأن المواطأة كانت من سبكتكين على عز الدولة؛ ولهذا لم يقاتل أبا تغلب، ولا جَرَّد العَزْم في قتاله مع القدرة، ودخل سُبكتكين بغداد، وأسلم عزَّ الدولة، وقامت القيامة على ابن بقية، وطالب سبكتكين بالعود إلى الموصل فتَثَقَّل.
وقيل: إنه همَّ في ذلك الوقت بالقبض على ابن بقية وعُمدة الدولة ووالدة عز الدولة وأولاده وأسبابه، فتوقَّف، ثم سار بالعسكر وبابن بقية إلى الموصل.
ولما عرف عزُّ الدولة رجوعَ أبي تغلب إلى الموصل جمع أطرافَه، وردَّ قُوَّادَه من النواحي التي كان فرَّقهم فيها، ونزل الدَّير الأعلى من الموصل، وعبَّى مَصافّه واستعدَّ.
وجاء أبو تغلب فنزل الحَصباء مستعدًّا للقتال، ولم يبق بينهما من المسافة إلا طول قَصبة الموصل، وأحجَمَ كلُّ واحدٍ منهما عن مُناجَزة صاحبه تَجنُّبًا لركوب الخطَر، إلا أن أبا تغلب كان الأظهر لكثرة عَدده، وكون أهل الموصل معه.
وكان الدَّيْلَم قد آذَوا الناس، وخاض الناس بينهما في إتمام الصُّلح الذي تقدَّم ذِكرُه، فاشتطَّ أبو تغلب، واستام النَّقيصَةَ من المال الذي قُرِّر عليه، وطلب من عزِّ الدولة أن يُسلِمَ إليه ابنتَه، وأن يُلَقَّب لَقبًا سُلطانيًّا، فأجابه عز الدولة إلى ذلك.
وطلب عز الدولة من أبي تغلب إزالةَ الاعتراض عن ضياع حمدان وأسبابه، وإعادةَ ما أخذ منها، وتسليمَ قلعة ماردين إلى حمدان فإنّ أباه أعطاه إياها، فامتنع أبو تغلب من ذلك كلِّه، ولم يَلتزم في الصُّلح شيئًا من ذلك، فسكت عن ذلك.