ذكر السبب في ذلك: كان عز الدولة قد ضاق ما بيده من المال، وكَثُرت عليه المُطالبات من الجند وغيرهم، فأشار عليه ابنُ بقية بالانحدار إلى الأهواز لمُحاسبة أرادرويه (١)، وصَرْفِه عن البلاد، والنَّظر في المال وجمعه، وتفرقة الأتراك عن سبكتكين، والاحتيال عليه ليستريحا منه، ويتَّسعا بأمواله وإقطاعاته، فانحدر إلى الأهواز، فلقيهما أرادرويه بالمال والتَّقدمة، وخَدَمهما.
وأقام عز الدولة بالأهواز، فوقع بين غلامين من التُّرك والدَّيلَم مُنابذة على بناء مَعْلَفٍ على باب دار أحدهما، فمنعه الآخر، وثارت الفتنة بين التُّرْك والدَّيلَم، وكان لأرسلان التُّركي خيمةٌ على باب عز الدولة يقضي فيها الأشغال، فسمع أرسلان الضَّوْضاء، فركب، فعارضه بعضُ الدَّيلَم، فشتمه أرسلان، فضربه الدَّيلمي فقتله.
وثار الأتراك يطلبون بدم أرسلان، ورَمَوا الدَّيلمَ بالنُّشَّاب، فقتلوا منهم رجلًا، وجرحوا نفرًا، وخرجوا بأجمعهم إلى الصحراء.
واجتهد عز الدولة في كفّ الفريقين فلم يقدر، فاجتمع إليه رؤساء الدَّيلَم -وكانوا مُطَّلعين على اعتقاده في سُبُكْتِكين والأتراك- فقالوا له: هذا أمر قد انتشر، وفي نفسك من سبكتكين ما فيها، والوجه أن تَقبض رؤساءَ الأتراك الذين عندك، وتنزل إلى بغداد فَتقْلَعَ سبكتكين عنها، وتستريح منه ومن الأتراك، فقَبِل منهم ذلك، فبعث إلى رؤساء التُّرك: بختكين أرادرويه وغيره، فقبض عليهم، وقيَّدهم، واستولى على إقطاع سبكتكين بالأهواز وأسبابه، وكتب إلى البصرة بالنِّداء في الأتراك والإيقاع بهم، فنُهبت منازلهم وهربوا.
وكان عز الدولة قد عهد إلى والدته وإلى عمدة الدولة أخيه أنه إذا أرسل إليهما على جناح طائر من الأهواز أنه قد مات، فإذا جاء إليهما سبكتكين للعزاء قبضاه، فلما قَبض على رؤساء الأتراك كتب في تلك الساعة إليهما على جناح طائر بوفاته، وظن أن سبكتكين لا يتأخَّر عنهما، وكان أثبتَ وأعقلَ من ذلك، ولو حضر ما التفت؛ لأن غِلمان داره كانوا أربع مئة سوى الحُجَّاب والأتباع، وكان هذا الرأي ضعيفًا مع ما فيه