من الطِّيَرة والإشاعةِ المكروهة، فأرسل سبكتكين إليهما يسألهما عن الخبر، وكيف وَرَد، وتوقَّف عن الركوب إلى أن جاءته كتب أصحابه بما جرى، فجمع الأموال إليه، وأخبرهم أن السّتر قد انخرق، وأن دماءهم قد استُحِلَّت، وعَرَّفهم ما جرى على أصحابهم، فسألوه أن يتأمَّر عليهم فتوقف، وأرسل إلى عُمدة الدولة يقول:
إن الأمر قد انتقض بين الأتراك وعز الدولة انتقاضًا لا يلتئم أبدًا، وإنهم قد أرادوه على الأمر فأبى أن يَخرج عن طاعة مواليه، وسأله أن يَعقد له الأمر، ويبقى عزّ الدولة مكانَه، ويَستميل له من بقي من الترك والدَّيلم، فأجابه، ووافقه على البكور في غدٍ ليَتِمَّ الأمر.
وبلغ والدته فخافت أن يؤول الأمر إلى هلاك أحد وَلَديها، فمنعته، وصار إليها مَن كان من الدَّيلم مُقيمًا ببغداد، وقَوَّوا عَزمها على مُحاربة سبكتكين ومَن معه من الأتراك، فانتقض ما قرَّره مع عمدة الدولة.
واجتمع الدَّيْلَم في دار مؤنس التي ينزلها عمدة الدولة، وركب سبكتكين إليهم، وناصبهم الحَرْبَ، وأحرق جوانب الدار فاستسلموا، وسألوا سبكتكين الإفراجَ عنهم لينحدروا إلى واسط، وأن لا يَفْضَح حَرمَ مولاه وأولادَه، فاستحيا منهم، وجمع عُمدةَ الدولة أبا إسحاق وأخاه أبا طاهر محمدًا ووالدتَهما والحرم وجميعَ مَن في الدار في زورق حديدي، وأحدرهم إلى واسط، وتفرَّق الدَّيلَم وضَعُفوا.
وكان المطيع عند هذه الفتنة انحدر مع المُنْحَدِرين في زورق، فبعث سبكتكين فرَدَّه.
وقيل: إنهم جاؤوا به فأوقفوه على باب سبكتكين ساعة حتى استؤذن في أمره، فأمر بردِّه إلى داره، ووَكل به فيها على الوجهِ الجميل، واستولى على ما كان لعز الدولة ببغداد من السِّلاح والكُراع والأثاث وغيره.
ونزل الأتراك إلى دور الدَّيلم بعد أن نهبوها، وتعَدَّوا إلى دور أهل بغداد، والتجار، وأرباب الأموال، ووافقوهم العوامّ على النَّهب، فهُتكت الحريم، وتفرَّقت الأموال، وافتقر كثيرٌ من الناس، فركب صاحب الشُّرطة، ونادى في الناس، وصَلب جماعةً من العَيَّارِين عند الجسر، فسكنت الفتنةُ قليلًا، وتضافرت الألسنةُ بطاعة سبكتكين ونُصرته، فعرَّف منهم العُرَفاء، ونَقَّب النُّقَباء، وقَوَّد القُوَّاد، وخَلَع عليهم، وحملهم على الدَّوابّ، وصار له منهم جندٌ استجاش بهم.