للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان الطائع أبيضَ، أشقر، حسنَ الجسم، شديدَ القُوى؛ كان في دار الخلافة أُيَّلٌ عظيم يقتل الدَّوابَّ بقَرْنَيه، ولا يتمكَّن منه أحد، فرآه الطائع يومًا وقد صال على بَغلٍ فشقَّ راويته، فحمل عليه، فأمسك بقَرْنَيه، فلم يقدر على الإفلات منه، ودعا بنجَّار وقال: انْشُر قَرْنَيه، فنشرهما، حتى إذا بقيا على شيءٍ يسير فقطعه بيده، وهرب الأيل على وجهه، وسقطت فَرَجِيَّةُ الطائع عن كتفه، فتطأطأ بعض الخدم ليأخذها، فغمزه الطائع، وأشار إليه: ادفعها إلى النجَّار -وكانت من الوَشْي- فأخذها النجَّار وباعها بمئة وسبعين دينارًا.

وركب الطائع يوم الثلاثاء تاسع عشر ذي القعدة في الجانب الشَّرقي من بغداد، وعليه البُردة، ومعه الجيش، وسُبكتكين بين يديه.

ومن غد هذا اليوم خَلَع على سبكتكين الخِلَع السُّلطانية، وعقد له لواء الإمارة، ولُقِّب نصر الدولة، وحضر عيد الأضحى، فركب إلى المصلَّى من الجانب الشَّرقي، وعليه السَّواد: قَباء وعمامة رُصافية، فصلَّى بالناس، ثم خطب فقال:

الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر متقرِّبًا إليه، ومُعتمدًا عليه، ومتوسِّلًا بأكرم الخلائق لديه، الذي صيَّرني إمامًا مَنصوصًا عليه، ووهب لي حُسنَ الطَّاعة فيما فوَّضه إليَّ من أمر الخلافة على الجماعة، الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر مُقِرًّا بجميل آلائه فيما أسنده إليَّ من حِفظ الأمة وأموالها وذَراريها، وقَمع بي الأعداء في حَضَرها وبَواديها، وجعلني خير مُسْتَخْلَف على الأرض ومَن عليها.

الله أكبر الله أكبر تَقَرُّبًا بنَحْرِ البُدْنِ التي جعلها الله من شعائره، وذكرها في مُحكَم كتابه، واتّباعًا لسنَّة نبيه وخليله في فدية أبينا إسماعيل وقد أُمر بذَبْحه، فاستسلم لإهراق دمه وسَفْحه، غيرَ جَزعٍ فيما يأتيه، ولا نَكَل عن ما أمر به فيه، فتقرَّبوا إلى الله في هذا اليوم العظيم بالذبائح فإنها من تقوى القلوب.

الله أكبر الله أكبر الله أكبر، وصلى الله على محمد خِيرته من خلقه، وعلى أهل بيته وعِترته، وعلى آبائي الخُلفاء النُّجَباء، وأيَّدني بالتوفيق فيما أتوَلّى، وقمصني (١) من


(١) في المنتظم ١٤/ ٢٢٦: وسددني.