للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الخلافة فيما أعطى، وأنا أُخوِّفُكم معاشرَ المسلمين غُرورَ الدنيا، فلا تركَنوا إلى ما يَبيد ويَفْنى، ويَزول ويَبلى، فإني أخاف عليكم يوم الوقوفِ بين يدي الله غدًا وآدم ومحمد المصطفى، وصُحُفكم تُقرأ عليكم، فمَن أوتي كتابَه بيمينه فلا يَخاف ظُلمًا ولا هَضْمًا، ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشةً ضَنْكا، ونحشره يوم القيامة أعمى، أعاذنا الله وإياكم من الرَّدى، واستعملَنا وإياكم بأعمال أهل التُّقى، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولجميع المسلمين. ثم نزل (١).

وفيها ازداد تَنشُّط (٢) العامة، وصاروا حِزبين، فالشيعةُ ينادون بشعار عزّ الدولة، والدَّيْلَم والسنة ينادون بشعار سُبكتكين، وكَثُرت الفتن، وكُبست المنازل، وأُحرق الكَرْخُ ثانيًا.

وكان حَمدان بن ناصر الدولة قد توجَّه إلى الرَّحْبَة، فراسله سُبكتكين، فعاد إلى بغداد في نصف ذي القعدة، وورد بدر الحرمي بغداد عائدًا من المَوْصِل بعد تسليم بيت معز الدولة إلى أبي تغلب، ولما عَرف في طريقه ما جرى استتر ورجع إلى أبي تغلب، وخلَّى ما كان معه من أمواله وأموال التجَّار، فنُهب جميعُه.

وأما عز الدولة فإنه أدخل يده في إقطاع الأتراك بأسرها، وانقسم الأتراك بالأهواز قسمين؛ فقسم لحق بسبكتكين، وقسم تلافاهم عزُّ الدولة، وقالت الدَّيلم: لا بد لنا في الحرب من أتراك (٣)، فأطلق بختكين أرادرويه، ورتَّبه موضع سُبكتكين، ولقَّبه حاجب الحُجَّاب، وقدَّر أن الأتراك يأنَسون به، ويعدلون عن سُبكتكين إليه، وردَّ الأتراك الذين نفاهم من البصرة إليها، وردَّ عليهم أموالهم، وأمَّنهم.

وبلغه خبر والدته وإخوته ووصولهم إلى واسط، فسار إليهم، واجتمع بهم، وكتب إلى رُكن الدولة يُعرِّفه حاله، ويَستصرخ به، وتابع إليه المكاتبة، وكتب إلى أبي تَغلب يَستنجد به، ويعده بإسقاط ما عليه من المال إن جاء بنفسه وعسكره، وراسل عمران بن شاهين صاحب البَطيحَة، وأنفذ له خِلَعًا وفرسًا بمركب ذهب، وتوقيعًا بإسقاط ما عليه


(١) من قوله: ذكر السبب في ذلك كان عز الدولة قد ضاق ما بيده … إلى هنا ليس في (ف م م ١).
(٢) في (ب خ ف): تبسط، والمثبت من (م م ١).
(٣) هكذا وردت العبارة في (خ ب)، وهذا النص بتفصيلاته لم أقف عليه، وانظر الكامل ٨/ ٦٣٤.