ووصلت الأخبار بوصول عضد الدولة إلى واسِط، وانفصاله عنها إلى بغداد، فأحضر الطَّائعُ القُضاةَ والأشرافَ والقوَّادَ مُستهلّ جُمادى الأولى، وأخذ الأيمانَ على الأتراك بالطَّاعة، والمُناصحة في العِيال، وركب من غدٍ إلى باب الشَّمَّاسِيَّة، واستنفر الناسَ لقتال عضد الدولة، وعاد إلى داره.
ذكر حال عضد الدولة مع الأتراك حتى هزمهم:
كان عز الدولة لما مات سُبكتكين كتب إلى ركن الدولة بإيثاره بالمدد من العَسْكر، وأن لا يُقوِّي عَزْمَ عضد الدولة على المسير بنفسه إلى بغداد، وقناعته بالمَدَد الذي يُنفذه إليه مع بعض أصحابه، وكاتب عضدَ الدولة بمثل ذلك؛ لأن خواصَّه أشاروا عليه: لا يدع عضد الدولة يدخل مملكتَه، ويشاهد نِعمتَه، فأجابه ركن الدولة بأن الخَطْب الذي هو بإزائه مع بقاء الأتراك على حالهم مُحتاج إلى مِثْلِ عَضُدِ الدولة في كثرة ماله ورجاله، وقيام هَيبته، وحُسْنِ تدبيره، وأجابه عضد الدولة بأن المَدَد فيما يُراد له لا يفيدا حتى يتولَّى ذلك بنفسه، وكان غرضُ عضد الدولة ما أنف أصحابُ عزِّ الدولة منه (١).
وسار حتى نزل الأهواز، وتَلَوَّم تلوُّمًا طويلًا حتى دخل واسطًا تاسع عشر ربيع الآخر، ولما حصل بالأهواز وانحدر أبو تغلب إلى بغداد تماسك أمر عز الدولة، وأمَّلَه مَن كان آيسًا منه، واستأمنت إليه طائفة من الأتراك قَويت بهم نفسُه.
ولما قَرب عضد الدولة من واسِط تلقَّاه عزُّ الدولة وأخواه أبو إسحاق ومحمد وأبو طاهر بن بقية، فترَجَّلوا، وقَبَّلوا الأرض بين يديه، ما عدا عِزُّ الدولة فإنه لم يترجَّل، وأكبَّ عليه عَضُد الدولة وعانقه، وكان رُكن الدولة قد كتب إلى عز الدولة يُوصيه بتعظيمِ عَضُد الدَّولة وخدمته.
ونزل عضد الدولة بالجانب الشرقي من واسط ومعه أبو الفتح علي بن محمد بن العَميد -وكان قد قَدِم عليه بعسكر الرَّيّ- ورتَّبَ المسيرَ إلى بغداد على أن يكون عزُّ الدولة في الجانب الغربي، وهو في الجانب الشرقي، ورحل حتى نزل ديرَ العاقول وعز
(١) في (خ ب): وكان غرض عز الدولة ما أنفق أصحاب عز الدولة منه، وليس في (ف م م ١) لاختصار طويل يشار إليه في موضعه، ولعل المثبت هو الصحيح، انظر الكامل ٨/ ٦٤٤، ٦٤٥، ٦٤٨.