الدولة بإزائه، وورد عليه تأهُّبُ الطَّائعِ والأتراكِ للقائه، فَعبَّأ عَسْكَرَه، وجعلَ موكبَ خاصَّته في القَلْب، وفي مَيمنته أبا الفتح بن العَميد في جيش الريّ، وفي ميسرته عُمدة الدولة وأبا إسحاق وابن بقية مع طائفة من عسكر عز الدولة، ونزل بإزاء المَدائن.
وكان انحدار الطائع والأتراك ليلة السبت لأربع عشرة خلت من جمادى الأولى، ووصلوا إلى دَيالى، والتَقَوْا على أرضٍ مُستويةٍ قريبة من ديالى، وكانوا قد عَقدوا عليه جُسورًا، واقتتلوا فكانت الدَّبْرَةُ أولًا على عَسْكَرِ عَضُد الدولة من ناحية المَيسرة، وكان فيها عسكر عز الدولة، فاستَجَرَّهم الأتراك، وقتلوا منهم جماعة نحو المئتين، وزحف عليهم عضد الدولة فانهزموا، وقتل من أكابرهم عِدَّة، وجاؤوا إلى جسور دَيالى فازدحموا عليها، وغَرِقَ منهم خلقٌ كثير، وركبهم الدَّيلَم، وكان معهم من العَيَّارِين خلقٌ كثير، فأفناهم الدَّيلَمُ بالقَتْلِ والغَرَق، واستباحوا عَسكرَهم، وأحوقوا خيامَهم، وجاءهم الليلُ فحال بينهم، وكان عز الدولة في الجانب العْربي فكتب إلى عَضُد الدولة بخطِّ يده:
ولكنَّ الجوادَ أبا شُجاعٍ … وفِيُّ العَهْدِ مأمونُ المَغيبِ
بَطيءٌ عنك ما استغنيتَ عنه … وطَلَّاعٌ عليكَ مع الخُطوبِ (١)
ودخل التُّرك بغداد مُقَطَّعين، ومضى الطائع إلى عُكْبَرا، وأصبح الأتراك فأخذوا معهم مَن أمكن أخذه من عيالاتهم وأولادهم، وتَبِعَهم العددُ الكثير ممن يَخاف من المقام بعدهم، وساروا نحو الشام.
وسار عَضُد الدولة من الجانب الشَّرقي، وعزُّ الدولة من الجانب الغربي، ودخل ابن بَقيَّةَ بغداد، ونادى في الناس فسكنوا، ونزل عضد الدولة بباب الشمَّاسيّة وعز الدولة بإزائه من الجانب الغربي، وأظهروا أنهم يتَّبعون الأتراك، فلما وصل الخبر أنهم وصلوا تكريت مُمزَّقين مَسْلوبِين دخل عضد الدولة إلى دار سبكتكين فنزلها، وعز الدولة في دار المتّقي لله.
(١) نسبا إلى إبراهيم بن العباس الصولي في ديوانه ١٢٩ (الطرائف الأدبية)، ومعاني العسكري ٢/ ١٩٥، والتذكرة الحمدونية ٤/ ٤٧، وفيها: ولكن الجواد أبا هشام.