وكان الطائع قد راسَلَ عَضُد الدولة لما كان بدير العاقول، فأجابَه إلى ما يُريد، وبعث إليه من عُكْبرا القاضي ابن مَعْروف، فحَلَّفه، واستَوْثَق منه.
ثم أقبل الطائع في طَيَّارِه يوم الخميس لتسعٍ خَلَوْن من الشهر، وخرج عَضُد الدّولة في طياره، فتلقَّاه من قَطيعة أم جعفر، وصَعِد معه، وقَبَّل البِساط الذي تحته ويدَه، وطُرِحَ له كُرسي فجلس عليه بين يديه، وكان على عضد الدولة قَباء أسود، وعِمامة سوداء، وسيف ومِنطَقة ذهب، وأحدقت الطَيَّارات والزَّبازِبُ بطيَّار الخليفة مملوءةً من الدَّيلَم وغيرهم، وانحدر كذلك إلى دار الخلافة، وبعث إليه عضد الدولة بمالٍ وَفُرُش وطيب، وخطب له يوم الجمعة لعشرٍ بقينَ من جُمادى الأولى، وإلى هذه الغاية لم يُخْطَب في هذه المدة لأحد.
وأمر الطَّائعُ بأن يُكتَب إلى الآفاق بعَوْدِه إلى داره، واستقامةِ الأمور والأحوال، فكتب أبو إسحاق إبراهيم بن الصابئ كتابًا بليغًا في ذلك.
ذكر ما جرى لعز الدولة مع عضد الدولة:
لما استقرَّ عَضُد الدولة ببغداد، وانهزم الأتراك، اجتمع أصحابُ عزِّ الدولة من الدَّيلَم والترك، وشَغَبوا عليه بالزَّاهِر، وطالبوه بالعطاء، واشتَطُّوا عليه، فغضب، وتبرَّأ منهم، وقال لعضد الدولة: تولَّ أمورهم. ووجد عضد الدولة ذلك طريقًا إلى ما نازعتْه نفسُه إليه.
وقيل: لما رأى عضد الدولة مُلْكَ العراق أعجبه، وحَسَد عزَّ الدولة، فوضع الدَّيلَم فشغبوا عليه، فأرسل إليه عضد الدولة في المصير إليه؛ ليَجتمعا على ما فيه المصلحة من تدبير الأمور، فجاء عز الدولة إليه ومعه أخواه عمدة الدولة وأبو طاهر، فلما صاروا عنده اعتقلهم، ووكَّل بهم، وذلك في يوم الجمعة لخمس بقينَ من جُمادى الآخرة، ولم يَعرِض لابن بَقيَّة، ووعده بالجميل، وأنه يَستخدمه ويجريه على رسمه ومنزلته، وأمره أن يَمضي إلى دار عز الدولة، وبعث معه جماعة من الدَّيلَم والحاشية، فختم على أمواله وخزائنه، ووَكَّل بإصطبلاته، ومضى إلى داره.
وقبض عَضُد الدولة على خَواصِّ عز الدولة، فلما كان من الغد جمع عضد الدولة القُضاةَ والشُّهودَ والأشرافَ والعلماء، وقرأ عليهم كتابًا مَضمونُه: أن عزَّ الدولة استَثْقَل