وشَرَع عضد الدولة في الاستعداد لنزول العراق، والتأهُّبِ لقتال عز الدولة، وكاشفه عز الدولة، وقطع خُطبته، وجاهر ابنُ بقية عضدَ الدولة بالعَداوة، ونال منه بلسانه في مجالسه، وكتب كتابًا عن الخليفة مَضمونه: أن الاتِّفاق وقع من ركن الدولة على قسمة البلاد بين أولاده، وأن لا يتعرَّض لعز الدولة ببغداد، وأن الخليفة لا يرضى بغير ذلك.
وجمع ابن بقية القُضاة والشُّهود والأعيان والحُجَّاج الخُراسانية، وأحضرهم إلى الطَّائع، وأشهدهم عليه بذلك.
وكتب الطائع على رأس الكتاب: المُلكُ لله وحده، وكتب القُضاة والأشراف خطوطَهم فيه بالشَّهادة على الخليفة، وأمر ابنُ بقية أبا إسحاق بن هِلال الصابئ أن يكتب كتابًا إلى عضد الدولة عن الخليفة، فكتب كتابًا طويلًا منه:
من عبد الله عبد الكريم الطائع لله أمير المؤمنين إلى عَضُد الدولة أبي شُجاع بن ركن الدولة أبي علي مولى أمير المؤمنين، سلامٌ عليك، أما بعد؛ فإن من سُنن العَدْلِ التي يؤثر أميرُ المؤمنين أن يُحييها، وآداب الله التي يَرى أن يأخُذَ بها ويَقْتَفيها: إقامةَ المُحسن بإحسانه، والإيفاءَ به على أقرانِه، والمجازاةَ له عن راشِدِ مَساعيه وصائب مَراميه؛ ليكون قضاءً لما أسلف وقدَّم، وكِفاءً لما أكَّد وأَلْزم، وقد علمتَ وعلم غيرُك بعيانِ ما أدركتْه الأعمار، وسماعِ ما نقلتْه الأخبار؛ أن الدولةَ العباسية لم تزلْ تَعْتَلُّ طَورًا وتَصحُّ أطوارًا، وتَلْتاثُ (١) مَرَّةً وتَستقلُّ مِرارًا، من حيث أن أصلَها راسِخٌ لا يَتَزَعْزَع، وبُنيانَها ثابتٌ لا يَتَضَعْضَع … إلى أن قال: وأن المُطيع أبقى الأمرَ على عز الدولة، فليس لأحدٍ أن يُنازعه فيه، وذكر ابنَ بقية وقال: هو نصيرُ الدولةِ النَّاصحُ، وأثنى عليه ثناءً عظيمًا، واستوفى شروطًا كثيرة، وأشار في الكتاب إلى مُباينة عضدِ الدولة وقتاله.
وكان هذا الكتاب سببًا لنِقْمة عضد الدولة على إبراهيم الصابئ، ونَكبه لأجله، ولما قال: أُكْرِهتُ قال: مَن أكرهك على تجويده واستيفائه واستقصائه.