للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال التَّنوخي: قدم بغداد رجلٌ من خُراسان يريد الحجَّ، ومعه عِقدٌ من الجوهر له قيمة، فأودعه عند بعض التجَّار ومضى إلى الحج، فلما عاد طلبه منه فقال: ما أعرفُك، ولا أودعتَ عندي شيئًا، ونال منه، فقال له الرجل: لا تفعل فإن هذا لملك بلدي، وهو يكون سَببًا لهلاكي، وذهابًا لنعمتي، وهو مصرٌّ على إنكاره، فعرف خبرَه رجلٌ من أكابر أهل بغداد فقال له: ما لك إلا عضد الدولة، فكتب رُقعةً يشرح له حاله، فاستدعاه خلوةً وقال له: كيف حديثُك؟ فحكى له القصة، قال: وأين دكَّان الرجل؟ فقال: في الموضع الفلاني، قال: اذهب غدًا واقعد عنده على الدكان، فإذا عَبرتُ عليك فلا تكترِثْ بي، ولا تنزعج، واكتُمِ الحال.

فمضى الرجل، فلما أصبح غدا إلى الرجل وقال له: يا فلان، أنا رجلٌ غريب، فخَفِ الله فيَّ، وجعل يَستعطفه وهو لا يزداد إلا قَساوة، فبينا هو يَستعطفه وإذا بموكب عضد الدولة قد أقبل، فانهزم الناس من هَيبته، فلما حاذى الدكَّان، وقف وقال للخُراساني: أهلًا وسهلًا، متى قدمتَ؟ فقال له من غير اكتراث: منذ أيام، فقال: سبحان الله! تَقدمُ هذا البلد، ولك علينا من الحقوق القديمة والخِدَم السَّالفة ما لا نَقومُ به ولا تجيءُ إلينا، ولا تُسلِّم علينا، ما هذا الجَفاء؟! والرَّجلُ يُعرِضُ عنه، فقال عضد الدولة: الساعةَ تَحضُر إلينا لنَبُلَّ شوقَنا منك، ونقضيَ حقَّك، وسار في موكبه.

فلما رآه الرجلُ الموْدَع على هذه الحالة خاف وأبلَس، وحادثه ساعةً وقال: يا فلان، لعن الله الشيطان، أُنسيت عقدَك، وتركتُه في مكان كذا، فاصبر حتى أقومَ وأتذكَّر، ثم قام ودخل دكَّانه فأخرج له العقد وقال: اجعلني في حلٍّ، فأخذ العقدَ ومضى به إلى عضد الدولة، وأخبره الخبر، فبعث بالعقد إلى دكان المودَع، وأمر بأن يُعلَّق في عُنقه ويُصلَب، ويُنادى عليه: هذا جَزاءُ من ائتُمِن فخان (١).

وكَثُر اهتمام عضد الدولة بالمارستان؛ لأن الصَّرَع كان يَعتريه، فصُرع في دسته مرارًا، وبعلَّة الصَّرَع مات.


(١) الأذكياء لابن الجوزي ٦٧ - ٦٨.