للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وضياء المِلَّة، أبي نصر بن عضد الدولة وتاجِ الملَّة مولى أمير المؤمنين، سلامٌ عليك، فإنَّ أمير المؤمنين يحمد إليك اللهَ الَّذي لا إله إلا هو، ويسأله أن يُصلِّي على محمد عبده ورسوله تسليمًا، أما بعد: أطال الله بقاءَكَ، وأدام عزَّتَك وتأييدَكَ، وأَحْسَن إمتاع أمير المؤمنين بك وعندكَ، فإنَّ كتابَكَ وردَ باجتماع المسلمين قبلكَ، والخاصِّ والعامِّ على خَلْعِ العاصي -الملقَّب بالطائع- عن الإمامة، ونَزْعِه من منصب الخلافة؛ لبوائقه المستمرة، وسوءِ نِيَّتهِ المدخولة، وإشهادِه على نفسه بنكولِه وعجزِه، وإبرائه الكافَّة من بيعتِه، وخروجهم من عقدِه وذمَّتِه، وأنَّ الجماعة بايعوا أمير المؤمنين باتفاقٍ منهم وانشراحٍ من صدورهم، وقمتَ في ذلك بغضبكَ للهِ ولأميرِ المؤمنين، حتَّى ناديتَ بشعارِه في الآفاق، وأقمتَ له الدعوة في الأقطار، ورفعتَ من الحقِّ ما كان العاصي خَفَضَه، وأقمتَ من عماد الدين ما كان المخلوعُ رفَضَه، ووقف أميرُ المؤمنين على ذلك كلِّه، وأحاط علمًا بجميعِه، ووجدك -أدام اللهُ تأييدَك- قد انفردتَ بهذه المأثُرة، واستحققتَ بها من الله جليلَ الأثَرة، ومن أمير المؤمنين أسنى المنازل، وأعلى المرتبة، وكانت هذه المنزلة عليك موقوفة، كما كانتِ الظنونُ إليك مصروفة، حتَّى فُزْتَ بما يبقى لك في الدنيا ذِكرُه وفخرُه، وفي الآخرة ثوابُه وأجرُه، فأحسنَ الله عن هذه الأفعال مكافأتَكَ، وأجزَل عاجلًا مجازاتَكَ، وشَمِلَكَ من توفيقه وتسديده ومعونته وتأييده بما يُديم نصر أمير المؤمنين، وظفره على يدك، وجعلك أبدًا مخصوصًا بفضل السابقة في ولائِه، ومتوحدًا بتقديم القِدَم في أصفيائِه، فقد أصبحتَ سيفَ أمير المؤمنين المُبيرِ لأعدائِه، والحاظي دون غيرِكَ بجميل رأيه، والمُستبدَّ بحمايةِ حَوْزته، ورعاية رعيَّتِه، والسفارة بينه وبين ودائع الله عنده من بريَّتهِ، وقد برزَتْ رايةُ أمير المؤمنين عن الصَّليق متوَجِّهةً نحو سريره الَّذي حرسْتَه، ومستقَرِّ عِزِّه الَّذي شيَّدْتَه، ودار مملكتِه التي أنتَ عِمادُها، ورَحى دولتِه التي أنتَ قطبُها. . وذكر كلامًا هذا معناه (١).

ووصل القادر إلى دار الخلافة يوم الأحد ثاني عشر رمضان، وتلقَّاه بهاء الدولة ووجوه الأولياء، وأنشد المدائح، فمنها: [من الكامل]


(١) هذا الكتاب في المنتظم ١٤/ ٣٥٠ - ٣٥٢.