للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأن يعود في العام المقبل، فخاطباه في ذلك، وصادف قولُهما شوقَه إلى دمشق ومنتزهاتها، وكان قد أضَرسَتْه (١) الحرب، فكتب هو والجماعة إلى العزيز يقولون: قد تعذَّرت المِيرةُ ولا طاقة للعساكر على المقام، ويستأذنونه في الرجوع إلى دمشق، فقَبْلَ أن يجيء جوابه رحلوا إلى دمشق، وعرف العزيز ذلك، فشقَّ (٢) عليه رحيلُهم، ووجد أعداءُ المغربيِّ طريقًا إلى الطعن عليه، فصرفه (٣)، وقلَّدَ الأمرَ صالح بن علي الرُّوذْباري، وأنفذه عِوَضَه، وحمل العزيز من غلَّات مصر ما أمكن في البحر إلى طرابلس، وحملت إلى فامية (٤)، ورجع مَنجوتَكين إلى حلب في السنة الآتية، وبَنَوا الدُّورَ والحمامات والخاناتِ والأسواقَ، فاشتدَّ الحصار على لؤلؤ وأبي الفضائل، وعَدِموا الأقواتَ، فكاتبوا ملك الروم، وقالوا: متى أُخِذَتْ حلب أُخِذَتْ أنطاكية، ومتى أُخِذَتْ أنطاكية أُخِذَتْ قُسْطَنطينة، فلمَّا سمع هذا ملكُ الروم سارَ بنفسه في مئة ألف، وتبعه من كلِّ بلدٍ عسكرُه، ولمَّا قَرُبَ من البلاد أرسل لؤلؤٌ إلى مَنْجوتَكين يقول: إن عصمة الإسلام الجامعة بيني وبينك تدعوني إلى إنذارِكم والنُّصحِ لكم، وقد وافاكم بَسيل (٥) بجنوده، فخُذوا لأنفسكم. وجاءت جواسيس مَنْجوتكين فأخبروه بمثل ذلك، فأحرق الخزائن والأسواق، وولَّى منهزمًا، وأشار عليه بأن يبعث الأثقال إلى دمشق، ويُقيم على مرج قِنَّسْرين (٦)، فلم يلتفت، وسار إلى دمشق، ووصل بسيل إلى حلب، وشاهد موضع عسكر المغاربة، فهاله ذلك، وعَظُموا في عينيه. وخرج إليه أبو الفضائل ولؤلؤٌ وخدماه، وسار في اليوم الثالث، فنزل على حصن شيزر (٧)، وفيه منصور بن


(١) يقال: حرب ضروس، أي شديدة مهلكة. المعجم الوسيط (ضرس)
(٢) في (خ) و (ب): فدق، وهو تحريف ظاهر، والتصويب من النجوم الزاهرة ٤/ ١٢٠.
(٣) يعني أن العزيز صرف المغربي.
(٤) ويقال لها: أفامية: وهي مدينة أثرية تبعد عن حماة ٦٠ كم في اتجاه الشمال الغربي والمعجم الجغرافي ١/ ١١٨.
(٥) هو اسم ملك الروم.
(٦) قِنَّسرين: مدينة ملاصقة لحمص، وقد كانت هي وحمص شيئًا واحدًا. معجم البلدان ٤/ ٤٠٣.
(٧) شَيْزَر: قلعة بالقرب من معرة النعمان تبعد عن حماة مسيرة يوم. معجم البلدان ٣/ ٣٨٣.