للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكتب إلى البرجيِّ نائبه بأنطاكية أن يسير بالعساكر إلى حلب، [ويدفع المغاربة، فسار البرجيُّ في خمسين ألفًا، ونزل جسر الحديد بين أنطاكية وحلب] (١)، فاستشار مَنْجوتَكين المغربيَّ والقُوَّادَ في ذلك، فأشاروا بالانصرافِ عن حلب، وقصْدِ الروم والابتداءِ بهم؛ لئلَّا يحصلوا بين عَدُوَّين، فساروا حتَّى نزلوا تحت حصن أعزاز، وقاربوا الروم، وبينهم النهر المعروف بالمقلوب، فلمَّا بصُر المسلمون بالروم رمَوهم بالنُّشَّاب، وبينهم النهر، ولم يكن لأحد الفريقين سبيلٌ إلى العبور؛ لكثرة الماء [وكان مَنْجوتَكين قد حفظ المواضع التي يَقلُّ الماء، فيها، وأقام جماعةً يمنعون أصحابه من العبور إلى وقت يختاره المُنجِّم، فخرج من الدَّيلم الذين كانوا في صحبة مَنْجوتَكين شيخٌ كبير، بيده تُرس وثلاث زُوبينات (٢)، فوقف على جانب النهر، وبإزائه قومٌ من الروم، فرمَوه بالنُّشَّاب وهو يسْبَح، حتَّى قطَعَ النهَر وصارَ على الأرض من ذلك الجانب، والماءُ في النهر إلى صدره، فرمى المسلمون بأنفسهم في الماء فرسانًا ورجَّالةً، ومَنْجوتَكين يمنعهم ولا يمتنعون، فصاروا مع الروم في أرضٍ واحدة، وأنزل الله نصره، فولَّى الروم، وأعطوا ظهورهم، وركبهم المسلمون فأثخنوهم قتلًا وأسرًا، وأفلت البرجيُّ في عددٍ يسيرٍ إلى أنطاكية، وغَنِم المسلمون عساكرَهم وأموالهم شيئًا لا يُعَدُّ ولا يُحصى، وكان معهم ألفان من عسكر حلب، فقتل مَنْجوتَكين منهم ثلاث مئة، وتبع مَنْجوتَكين الرومَ إلى أنطاكية، فأحرق ضياعها، ونهب رساتيقها (٣)، وكرَّ راجعًا إلى حلب، وبعث إلى مصر بعشرة آلاف رأس من رؤوس القتلى، وأقام على حلب، وكان وقت الغلَّات، وعلم لؤلؤٌ أنَّه لم يبق له ناصرٌ، وقد أظلَّته عساكر مصر، وقد أشرف على التلف، فكاتب المغربي وابن النشوري وأرغبهما في المال، وبذل لهما ما وسع عليهما فيه، وسألهما أن يُشيرا على منجوتَكين بالانصراف عن حلب إلى دمشق،


(١) ما بين حاصرتين هنا وفي الموضع الآتي زيادة من (ب).
(٢) جمع زُوبين: وهو الرمح القصير، وقد تقدم.
(٣) الرساتيق، جمع رستاق: وهي القرية. المعجم الذهبي ص ٢٩٦.