للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حصلت كان ما بعدها أيسرَ، فأجابه إلى ما أراد، وكتب إلى نزَّال الغوري -وكان واليًا على طرابلس- يأمره بالمسير إليه أي وقت استدعاه، ولا يحتاج إلى استئمار، وكان نزَّال من أكابر قُوَّادِ المغاربة وصنائعِ عيسى النصراني وخواصِّه، فكتب إلى عيسى سرًّا بأن يتقاعد عن بَكجُور ويدافعه، فإذا تورط مع مولاه تأخَّر عنه وأسلَمَه، ولم يعلم بَكجُور، فسار عن الرَّقة يريد حلب لمحاربة مولاه، وكتب إلى نزَّال يقول: يكون وصولُنا إلى حلب جميعًا في اليوم الفلاني، فرحل نزَّال وتباطأ في مسيره، ثم سار بَكْجُور إلى حلب، وبيان سعد الدولة قد كاتب صاحبَ الروم، فتقدَّمَ صاحبُ الروم إلى البرجيِّ بأنطاكية: متى استدعاك فاذهب إليه. وجاء البرجيُّ فنزل مرج دابق على فرسخين من حلب، ووصل بَكْجُور إلى النَّقْرة ونزل بمكان يُعرف بالناعورة، وامتدَّ عسكره إلى تل أعْرَن (١)، ومنها إلى حلب أربعة فراسخ، وبرز سعد الدولة في غلمانه، وبيانوا خمس مئة فارس، وجاء الروم في ستة آلاف -وقيل في ستين ألفًا- ولم يختلطوا بالمسلمين، وبعث (٢) سعد الدولة إلى بَكْجُور يستعطفه، فما ازداد إلَّا قساوةً، فزاده بلادًا ومالًا، فلم يلتفِتْ، وبيان سعد الدولة قد كاتب الأعراب الذين مع بَكْجُور ووعدَهم ومنَّاهم، وبيان بَكْجُور بخيلًا شديدًا، فمالت العرب على سواد بَكْجُور ونهبوه، واستأمنوا إلى سعد الدولة، ولمَّا رأى بَكْجُور غدرَ نزَّالٍ والعربِ به، وتقاعُدَ غِلْمانِ سعد الدولة الذين كاتبوه بالانحياز إليه إذا عاينوه، قال لأبي الحسن المغربي: كاتِبْه. فقال: ترجع إلى الرقة وتكاتب العزيز بما فعل نزَّال، فإنه يُنجِدُك. فقال له بعض قُوَّاده: كاتِبُكَ هذا يقول: الأقلام تُنكِّس الأعلام، فإذا حقَّتِ الحقائقُ أشار علينا بالهرب، لا واللهِ إلا الموت تحت ظلال السيوف. فقال بَكْجُور: هذا هو الرأي، ونموتُ كرامًا.

وكان سعد الدولة قائمًا في القلب والرايةُ بيده، فعمل بَكْجُور على قصدِه دون غيرِه وقال: إمَّا وإمَّا، ثم جمع غِلمانَه وعرَّفهم ما يقصِدُه، فقالوا: افعَلْ ما تراه. ونَدَّ واحدٌ منهم إلى لؤلؤ الجراحي فاستأمن إليه، وعرَّفه الحال، فجاء لؤلؤٌ إلى سعد الدولة، فأخذ منه الراية، ووقف موضعه وقال: هَبْ لي مكانَكَ اليومَ، وقِفْ في مكاني، فإنَّ بَكْجُور قد يئس من نفسه ويريد كذا وكذا، وأنا أفديك بروحي. فأعطاه الراية، ووقف


(١) تل أعْرَن: قرية كبيرة من نواحي حلب. معجم البلدان ٢/ ٣٩.
(٢) في (خ): فبلغ، والمثبت من (ب).