للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الخدمة، ونرى أحدَكم إذا كَبِرَ طردوه. فقالت كلاب الصيد: ما تركونا لِما ذكرتُم، ولكن لمَّا قَصَّرنا في الخدمة طردونا، وكلُّ مقصرٍ مطرود.

وقال البَرقاني: قلت لابن سَمعون: أنت تدعو الناس إلى الزهدِ في الدنيا والتركِ لها، وتأكل أطيبَ الطعامِ، وتلبَسُ أحسنَ الثيابِ، فكيف هذا؟ فقال: إذا أصلحتَ حالكَ مع الله فكُلْ ما شِئْتَ، والبَسْ ما شِئْتَ، فإنه لا يضرُّكَ. قال: وكان في دار ابن سَمعون حائطٌ واقف، فأقام مدَّة سنين، فلمَّا مات جاءت امرأةٌ فرأت في ثقبٍ منه خرقةً فجذبَتْها، فوقع الحائط، وكانت الخرقة من ثوبه، وكانت له ثياب أقامت أربعين سنة لم تتَّسِخْ ولم تَبْلَ، فقيل له في ذلك، فقال: إنما يقطعُ الثيابَ ويوسخها الذنوب. وقال لجاريته: احضُري المجلس. فحضرَتْه، فسألها: كيف رأيته؟ فقالت: مجلسًا حسنًا، إلا أنكَ تُعيدُ ما تقول. فقال: إنما أُعيدُ ليفهمَ مَنْ لا يفهم. فقالت: إلى أن يفهمَ مَنْ لا يَفْهم يَمَلُّ من قد فَهِمَ. وقال أبو غالب الحربي: سمعته يقول على كرسيِّه في قوله تعالى: ﴿وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا﴾ [الأعراف: ١٤٣]: مواعيد الأحباب، وإنِ اختلفَتْ إنها لا توحِش بل تؤنِس، وأنشد: [من مجزوء الخفيف]

ماطِليني وسَوِّفي … وَعِديني ولا تَفي

واتْرُكيني مؤمِّلًا (١) … أو تجودي وتَعطِفي

ذكر وفاته:

تُوفِّي يوم الخميس منتصف ذي القَعدة، ودُفِنَ بداره بشارع العباسيين، فلم يزَلْ فيها حتى نُقل في حادي عشرين رجب سنة عشرين وأربع مئة -وقيل: سنة ستٍّ وعشرين- إلى مقابر الإمام أحمد رحمة الله عليه، فدُفِنَ بباب حرب، وأكفانُه تتقعقع لم يَبْلَ منها شيء، وبين نقله ووفاته أربعٌ وثلاثون سنة.

سمعَ الحديثَ الكثيرَ وأملاه، فحدَّث عن أبي بكر بن أبي داود السِّجِسْتاني وغيرِه، وروى عنه القاضي أبو علي بن أبي موسى الهاشمي وغيرُه، وأجمعوا عليه.


(١) في السير ١٦/ ٥٠٨: مُوَلَّهًا.