للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وبَرْدَسير (١)، فخلف الموفقُ أثقاله بِفَسا، وخاطر بنفسه وبالملك وبمن معه، وسار مُجِدَّا ليلًا ونهارًا لا يلوي على شيء، فلمَّا كَلَّ العسكرُ قالوا له: انزِلْ حتى نستريحَ فقد كلَّتْ دوابُّنا. فنزل، ودعا منجِّمًا كان معه من شيراز، فقال: ألستَ القائل: قد حكمتُ لك أن تأخذ ابن بختيار يوم الاثنين الآتي؟ قال: بلى. قال: فأين ذاك، ونحن على هذه الصورة ولا خبر له ولا أثر؟ فقال المنجم: قد بقي خمسة أيام، فإن لم تأخذه، وإلا فدمي لك حلال، وإن أخذْتَه فأيش تعطيني. فتضاحكوا منه، واستهزؤوا به، فكان كما قال.

وفي رواية: أنه لمَّا عَظُمَ أمرُ ابن بختيار واستولى على أطراف فارس وملك كرمان واجتمع إليه الديلم، قلق بهاء الدولة لذلك، وطالب الموفَّقَ بالخروج إلى قتاله، فاستعفى، فقال له: لو أجبتُكَ إلى الاستعفاء لَما حسُنَ بك أن تَقبَلَ في مثل هذا الوقت، وقد علمتَ أنني ما خرجتُ إلا برأيِكَ، ولا وصلتُ إلى ما وصلتُ إليه من هذه الممالك إلا باجتهادك، وإذا قعدت في مثل هذه الضغطة فقد أسلمتَني إلى عدوي، ولكن تمضي في هذا الوجه، ويكون الاستعفاء بعده إذا دفعت هذا العدو. ولم يُمكِنْه في جواب هذا إلا القبول، فسار بالدَّيلم والتُّرك وغيرهم، حتى كان يرِدُ قومًا منهم، فيسألونه ويضرعون إليه حتى يخرجوا معه، وسار الناس يستأمنون إليه، فجاءه مَنْ أخبره أن ابن بختيار بمكان يقال له: بلازفاد، فانتخبَ ثلاثَ مئة من خواصِّ القُوَّاد والدَّيلم، وسار على الجمَّازات، فلم يجده، فسار تبيعه في الذين ذكرنا فلحقه بموضع يقال له: داروين -وهو جبل- جريدة، فقاتلهم، وانهزم ابن بختيار، فلحقه جماعة من الدَّيلم، فتنافسوا فيه، وأراد بعضهم حملَه إلى الموفق. وقال آخرون: نحن أولى. فضربَه بعضُهم فأبانَ رأسَه، وحمَلَه إلى الموفق، فقال بعض الدَّيلم: رأيتُ البارحَة صَمصمامَ الدولة في المنام وهو يقول: قُلْ للموفَق يأخذ بثأري من ابن بختيار، وكتب الموفق كتاب الفتح إلى بهاء الدولة، وسار إلى شيراز، فخرج بهاء الدولة للقائه، فلمَّا رجعا داخِلَين البلد مضى العسكر بأسره في خدمة الموفق إلى داره، وبقي بهاء الدولة في خواصِّه، فشقَّ عليه، وبلغ به كلَّ مبلَغٍ، ولم يتلق بعدها وزيرًا من وزرائه، ودخل شيراز يوم الأربعاء الثاني عشر من شعبان، وقُبِضَ لعشرٍ بَقين منه.


(١) بردَسير: أعظم مدينة في كرمان. المصدر السابق ١/ ٣٧٧.