للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذِكْرُ سبب قَبْضِه:

لمَّا عاد إلى شيراز بعد قتل ابن بختيار أقام على الاستعفاء وكرَّره، وكان في قلب بهاء الدولة منه أمورٌ قد ملأت قلبَه وغَيَّرَتْه، ونال ما كان يراعيه لأجله، وخافَه خواصُّ الملك وحاشيتُه، فأغْرَوه به، وحضر عنده أبو سعد فناخسره وأبو دُلَف بكرستان [وكانا] (١) يختصان به في الليلة التي قُبض في صبيحتها، فقالا له وأبو العلاء الإسكافي حاضر: أيها الموفَّق، أيُّ شيء آخر ما أنتَ عليه من ركوب الهوى ومخالفة الرأي في هذا الاستعفاء؟ وما الذي تُريده لِنُبلغه لك؟ إما بالملك أو بنفوسنا -وإن كان قد غاظَكَ أحد- وضعنا عليه مَنْ يفتِكُ به، أو كان في نفسك شيء فأطلِعنا عليه، حتى نتبع فيه [هواك. قال: ما أطوي عنكم شيئًا وقد خدمت هذا الملك وبلغت] أغراضَه، وما أريد الجندية بعدها. فقالا له: دَعْ هذا اللَّجاج، فإنه يؤدي إلى ما تندم عليه، ولا تقدِر في نفسك أنك إذا أُعفيتَ تقيم في منزلك، وقد بلغت من المنزلة ما بلغتَ، وأنك تنزل على ما تريد، هذا مُحالٌ، فَدَعنا نمضي إلى الملك ونُعرِّفَه مقامك في خدمته. فقال: لا بُدَّ. فقالا له: فأخِّر ركوبك في غَدٍ، وراجِعْ نفسَك. فلم يقبَل وبكَّر من غدٍ إلى دار الملك على عادته، وبعث يستعفي وبهاء الدولة يدفعه عن ذلك وهو مُصِرٌّ عليه، فخرج إليه جماعةٌ، وقبضوه وحبسوه في بيت وزرقوه (٢)، وبعث بهاء الدولة إلى داره، فأخذ جميعَ ما كان فيها من المال والثياب والسلاح والخدم والغِلمان، وأخذ من إصطبلاته جميع ما كان فيها، وفوَّض بهاءُ الدولة الأمورَ إلى أبي علي الحسن بن أستاذ هُرمُز، وكان بعد فتح الأهواز قد اعتزل في منزله، وكتب بهاءُ الدولة إلى ابنه أبي نصر سابور ببغداد أن يقبض على أولاد الموفق وأسبابِه، فاستعمل الجميل، وبعث فأنذرهم فانصرفوا عن دورهم، فأنفذ إلى منازلهم فرآها خالية، فكتب إلى أبيه بأن القوم أُنذروا فاستتروا.

وفيها استولى ابن سُبُكْتَكين على بُخارى، وطرد السامانية، وذلك أنَّه لمَّا نازلها صعِدَ خُطباؤها المنابرَ يستَنفِرون الناس للسامانية، ويقولون: قد عرفتُم حُسن سيرتهم فيكم، وقد


(١) ما بين حاصرتين هنا وفي الموضع الآتي من (ب).
(٢) أي: رموه بمِزْراق، والمِزراق: رمح قصير الصحاح (زرق).