يصنع الجِوار، فقال له يونس: يا عبد الله، ما تصنع؟ قال: الجِرار، فأبيعها أطلب فيها فضلَ الله. فأوحى الله إلى يونس: قل له يكسر جراره، فقال له يونس ذلك، قال: فغضب، وقال: إنك رجل سوء تأمرني بالفساد؛ تأمرني أن أكسر شيئًا عملته وصنعته ورجوتُ خيره. فأوحى الله إليه: يا يونس، ألا ترى إلى هذا الجرَّار كيف غضب لمَّا أمرته بكسر ما صنع، وأنت تأمرني بهلاك قومك؟! فما الذي يشقُّ عليك أن يَصلح من قومك مئة ألف أو يزيدون؟ قال الله ﷾: ﴿فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ﴾ [الصافات: ١٤٣] يعني من المصلِّين من قبل أن تنزل البليَّة ﴿لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ [الصافات: ١٤٤].
قال ابن عباس: من كان ذاكرًا لله في الرخاء ذكره الله في الشدَّة واستجاب له، ومن يغفل عن الله في الرخاء وذكره في الشدة لم يستجب له. قال الله تعالى: ﴿وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (٨٧)﴾ [الأنبياء: ٨٧]، فقال الله: ﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (٨٨)﴾ [الأنبياء: ٨٨]، يقول الله تعالى: كذلك نفعل بالصالحين إذا وقعوا في الخطيئة ثم تابوا إليَّ قبلتُ توبتهم. روى ابن عباس، قال: قال رسول ﷺ: "دعا أخي يونس بهذه الدعوات في الظلمات، فأنجاه الله بها؛ فلا يدعو بها مؤمن مكروبٌ إلا كشف الله ذلك عنه، إنَّ بها عدة من الله لا خلف لها".
هذه صورة ما ذكره الشيخ الموفق في "التوابين"(١).
وروى مجاهد عن ابن عباس، قال: كان يونس وقومه يسكنون أرض فلسطين، فغزاهم ملك، فسبى منهم تسعة أسباط ونصف سبط، فأوحى الله إلى شعيا بن أمصيا أن سرْ إلى حزقيا الملك، وقل له حتى يبعثَ نبيًا قويًّا أمينًا، فإني أُلقي في قلوب أولئك أن يرسلوا معه بني إسرائيل، فقال له الملك: من ترى؟ وكان قد بقي في مملكته خمسة أولاد من أولاد الأنبياء، فقال: يونس، فإنه قوي أمين. فدعاه الملك، فأمره بالخروج،