للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقال له يونس: هل أمرك الله أن تخرجني؟ قال: لا قال: فهل شماني لك؟ قال: لا، قال: فإنَّ ها هنا أنبياء أقوياء أمناء، فألحوا عليه، فخرج مغاضبًا للمَلِك حزقيا والنبي شَعْيا وقومه، فأتى بحر الروم فإذا سفينةٌ مشحونةٌ فركبها، فوقفت أو تكفَّأَتْ حتى كادوا أن يغرقوا، فقال الملاحون: ها هنا ها هنا عبد عاصٍ أو آبق، ومِنْ رَسْمِنَا أن نقترع في مثل هذا، فمن وقعت عليه القرعة ألقيناه في البحر ومضينا، ولأن يغرقَ واحدٌ خير من أن تغرق السفينة ومن فيها. ثم اقترعوا ثلاثًا وفي كلِّ مرة تقعُ القرعةُ على يونس، فقال يونس: أنا ذلك الآبق العاصي. وألقى نفسه في البحر فالتقمه حوت، وجاء حوت آخر فالتهم الحوت الأول. فأوحى الله إلى الحوت: لا تؤذِ منه شعرةً، فإني جعلت بطنك له مسجدًا وسجنًا، ولم أجعله طعامًا لك (١).

وقد رواه العَوفي عن ابن عباس.

وقال مقاتل: التقمه الحوت بدِجلَة ثم نزل به إلى الأبُلَّة، ودخل به إلى البحر، فلم يُبقِ بحرًا حتى طاف به.

وقال وهب: كان يونس رجلًا فيه حدة وضيق خلق، فلما حملت عليه أثقال النبوَّة تفسَّخ تحتها تفسُّخ الرُّبَع تحت الحِملِ الثقيل - يعني بالربع: الفصيل - فلهذا أخرجه الله من أُولي العزم من الرسل بقوله تعالى: ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ﴾ [الأحقاف: ٣٥].

﴿وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ﴾ [القلم: ٤٨] أي: لا تتلقَّ أمره كما تلقَّاه (٢).

وقال السُّدي ومقاتل: كان يونس قبل النبوة من عُبَّاد بني إسرائيل في جبل يفرُّ بدينه من شاهق إلى شاهق، فبعثه الله إلى أهل نِينوَى من أرض الموصِل، وهو ابن أربعين سنة، وكانوا يعبدون الأصنام، فضاق بالرسالة ذرعًا ودعا إلى الله وشكا، فأوحى الله إليه. بلِّغهم الرسالة فإن لم يستجيبوا لك عذَّبتهم، وإن لم تبلِّغهم أصابك ما يصيبهم من العذاب، وقد أجلتهم أربعين يومًا، فقام فأنذَرهم وكان صوته بالقراءة مثل صوت داود


(١) انظر "عرائس المجالس" ص ٤١٢ - ٤١٣، و "تفسير البغوي" ٢/ ٣٦٩.
(٢) انظر "تفسير البغوي" ص ٨٥٢.